إجراء كشف لـ (10) آلاف حالة و(500) عملية جراحية بمعسكري "كلمة" و"عطاش"
ارتفاع الإصابة بأمراض العيون وسط النازحين
الخرطوم- عبد المنعم مادبو
لم تكن الحاجة “عائشة” التي تقطن معسكر كلمة للنازحين تدري ما يخبئه لها القدر، عندما نزحت إلى المعسكر، في بدايات الأزمة التي مرت بها دارفور. فبالإضافة إلى معاناة النزوح والتشرد ومآسي الحرب التي عاشت فصولها في السنوات الخالية، فقدت الحاجة “عائشة” بصرها منذ ثلاثة أعوام، وهي تقاوم شظف العيش بالمعسكر. فازدادت الحياة قتامة في وجهها . إلى أن جاء اليوم الذي نما فيه إلى سمعها بترتيبات تقوم بها منظمات إنسانية، لقيام مخيم علاجي مجاني لمرضى العيون، بمعسكري “كلمة” و”عطاش”. وتقول الحاجة “عائشة”: (في اليوم الثاني، بعد ما جاء الدكاترة لعلاج الناس في المعسكر قلت لولدي وديني على ناس المخيم ديل يمكن الله يرد لي نظري).
الحاجة “عائشة” حظيت بفرصة لم تكن تتوقعها. فقابلت الفريق الطبي الذي يعمل في المخيم العلاجي. وقالت إن الدكاترة أخبروها بأن مرضها (المياه البيضاء) “الغلوكوما” . وطمأنوها، أن بصرها سيعود إليها بعد إجراء العلاج اللازم، وهي الآن برفقة المئات من أمثالها، بدأت العودة التدريجية لأبصارهم، بعد تلقي العلاج بالمخيم، وألسنتهم تلهج بالدعاء بالتوفيق للقائمين على أمر المخيم الذي يعد أحد أكبر المخيمات العلاجية، والحملات الصحية الأبلغ أثراً، التي تنظمها منظمتا الإشراق للتنمية والإعمار، والتضامن للإغاثة والتنمية الوطنيتين، بمعسكرات النزوح في حاضرة جنوب دارفور، بتمويل من المحسنة السعودية “هيا بنت عساف العساف”. ويستهدف المخيم العلاجي لمرضى العيون- وهو السادس من نوعه بالسودان- علاج أكثر من (10) آلاف مريض، بمعسكري “كلمة” و”عطاش”، وبعض أحياء مدينة بليل . ويتضمن العلاج إجراء “ألف” عملية جراحية لمرضى “المياه البيضاء”، بجانب توزيع كميات كبيرة من الأدوية ، والنظارات الطبية. وشهدت مدرسة أوشا بمحلية بليل- مقر المخيم- تدافعاً كبيراً للمواطنين، الذين يبحثون عن العلاج في وقت تكفلت فيه الممولة السعودية للمشروع “هيا بنت عساف”، بنفقات المخيم بما في ذلك الوجبات الغذائية للمرضى ونقلهم مجاناً للمستشفيات، بحاضرة الولاية نيالا لإجراء العمليات الجراحية، وإعادتهم لأماكن سكنهم مرة أخرى، كما تكفلت بنفقات ترحيل المرضى الذين تتطلب حالاتهم السفر إلى الخرطوم.
ووجد المخيم إشادة من حكومة ولاية جنوب دارفور. وقالت وزيرة الرعاية الاجتماعية وشئون المرأة والطفل ،”عائشة هنو”، إن إقامة المخيم بتمويل من المحسنة “هيا بنت عساف” يعكس تطور العلاقات السودانية السعودية ومتانتها، وتعهدت “هنو” خلال مخاطبتها احتفالاً بهذه المناسبة، بوضع التسهيلات أمام المنظمات الوطنية والإسلامية التي تسعى لتخفيف المعاناة عن المتأثرين بالحرب في دارفور، خاصة مخيمات علاج أمراض العيون.
وأشار مدير إدارة المشروعات بمنظمة التضامن للإغاثة والتنمية، “عبد الله باب الله” لـ(المجهر) إنهم اتجهوا لتنظيم المخيمات العلاجية لمرضى العيون، بعد أن لاحظوا ارتفاع حالات الإصابة بمرض (المياه البيضاء) وسط مجتمع الولاية، لافتاً إلى أن منظمته ومنظمة الإشراق، أقامتا مخيماً مماثلاً في معسكر عطاش للنازحين في الشهر الماضي . وأضاف (إن المخيم الأول وجد تدافعاً كبيراً من قبل النازحين لجهة أن أمراض العيون أصبحت متفشية بصورة واسعة بالمعسكرات خاصة (المياه البيضاء)، في مقابل عدم استطاعة النازحين تلبية احتياجات العلاج. وأبان أن المخيم أجرى الكشف على (10) آلاف حالة، و(50%) من العمليات الجراحية المستهدفة، البالغ عددها (ألف) عملية، منوهاً إلى أن الحالات التي تتطلب إجراء العمليات الجراحية يتم نقلها من معسكري “كلمة وعطاش”، إلى مستشفى مكة لطب العيون الشريك في إقامة المخيم. وذكر “باب الله” أن المخيم العلاجي صاحبه توزيع “سلال غذائية” للنازحين تمثلت في كميات من “الذرة، والزيت، والدقيق، والسكر” لعدد “2500” أسرة في المعسكرين.
بينما كشف مدير مستشفى مكة لطب العيون، التابع لمؤسسة البصر الخيرية العالمية، اللواء معاش “عمر عبد الله، عن ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض العيون بجنوب دارفور خاصة في معسكرات النازحين، وعزا ذلك إلى افتقاد المعسكرات للرعاية الصحية، بجانب الازدحام السكاني للنازحين، وضعف ثقافتهم الصحية. وأضاف (ليست هناك متابعات دورية لذلك تنتقل العدوى وسط شريحة النازحين بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات أمراض العيون بالمعسكرات، منوهاً إلى أن أغلب المترددين على المخيمات- التي شارك فيها مستشفى مكة لطب العيون- هم من العجزة والمسنين سواء، إن كان من الرجال والنساء. وقال “عمر” إن المانحين الداعمين لمثل هذه المخيمات ركزوا على جنوب دارفور، لجهة أن بها أكثر من “9” معسكرات للنازحين، وبها كثافة سكانية عالية وظروف صحية غير جيدة، لذلك تكثر هذه الأمراض- على حد قوله- مشيراً إلى أنهم أجروا أكثر من (50%) من عدد العمليات الجراحية المستهدف والبالغ “ألف” عملية،. وذكر أن إجراء العمليات سيستمر لحين الفراغ من العدد المستهدف.
في الأثناء عبر عدد من النازحين عن تقديرهم للجهود التي تقوم بها المنظمات، من خلال تنظيم مخيمات لعلاج مرضى العيون بالمعسكرات. وأشار عدد منهم لـ(المجهر)، إلى أن الظروف المادية التي يعيشها النازحون، تقف حائلاً دون علاج أفراد الأسر الذين يصابون بأمراض العيون. وقال مسئول التعليم بمعسكر كلمة “عبد الله محمد سليمان” لـ(المجهر)، إن المخيم العلاجي الذي أقيم وجد تجاوباً كبيراً من قبل النازحين بكل أرجاء المعسكر. ودعا الجهات المعنية إلى تنظيم المزيد من المخيمات لرفع المعاناة عن المرضى الذين لا يستطيعون تحمل نفقات العلاج.
ويقول أحد المسؤولين بوزارة الصحة بالولاية، إن المشكلة في علاج أمراض العيون وسبب تفشيها تتركز في تمركز المؤسسات العلاجية، وأقسام علاج العيون بحاضرة الولاية نيالا. وطالب بضرورة توزيع الخدمات العلاجية لأمراض العيون بجميع محليات الولاية، تخفيفاً لمعاناة المواطنين. واتفق مع مسؤول وزارة الصحة الولائية، مدير الإعلام بمؤسسة البصر الخيرية العالمية بالسودان، “أبوبكر حامد” الذي قال إن بعد المواطنين عن آماكن تلقي العلاج المتمركزة في المدن الكبيرة، بجانب ندرة اختصاصيي، العيون أبرز الأسباب التي أدت لارتفاع معدلات أمراض العيون، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية والأمنية بدارفور، أجبرت المرضى على انتظار المخيمات العلاجية التي تقام من وقت لآخر للحصول على فرصة لتلقي العلاج، وذكر أنه من خلال المخيمات العلاجية التي أقامتها مؤسسته بولايات دارفور، تلاحظ هناك ارتفاع في حالات الإصابة بمرض (المياه البيضاء)، لكنه قال إنه لا يوجد نشاز في معدلات أمراض العيون مقارنة ببقية ولايات البلاد.
ويقام بجنوب دارفور في كل عام عدد من المخيمات العلاجية لمرضى العيون، تستهدف آلاف المواطنين الذين يعانون من هذه الأمراض التي تصيب نعمة البصر، حيث أقامت مؤسسة البصر الخيرية العالمية بالسودان، بحسب مدير إعلامها “أبو بكر حامد”، عدداً من (المخيمات) في العام 2015- 2016 استهدفت كشف وعلاج (25,712) حالة أجرت خلالها (1976) عملية جراحية كبيرة و(300) عملية صغيرة، ووزعت مجاناً “أربعة” آلاف نظارة طبية. وأشار “حامد” في حديثه لـ(المجهر)، إلى أن مستشفى مكة لطب العيون الذي يتبع لمؤسسة البصر الخيرية، نظم مخيمات علاجية في العامين 2015- 2016، أجرى خلالها كشفاً على (32,336) حالة، وعمليات جراحية لـ(2168) حالة. وأبان أن معظم الحالات التي أجريت لها عمليات جراحية هي إصابات (المياه البيضاء).
بينما نظم التأمين الصحي بجنوب دارفور- وفقاً لمدير إعلامه “جعفر النجيب”، عدد (19) مخيماً في الفترة من 2010 وحتى العام 2015، شملت كل محليات الولاية ما عدا محليات (نتيقة، مرشينج، شطاية)، والتي ستقام مخيمات علاجية لمرضى العيون بها- بحسب حديث “النجيب” لـ(المجهر)، خلال المتبقي من هذا العام. وأوضح أن تلك المخيمات قدمت خدمات علاجية لأكثر من (76) ألف مريض.
وتجد هذه الجهود المجانية التي تبذل لعلاج مرضى العيون، تقديراً كبيراً، باعتبارها أحد أكثر الأنشطة ذات الأثر الإنساني البالغ التي تنظمها المنظمات، لجهة أنها ترفع المعاناة عن أعداد كبيرة من المواطنين الذين فقدوا نعمة البصر وبعودتها تعود إليهم الحياة مجدداً، ويعودون إلى الإنتاج وإعالة أسرهم.