من وحي الأخبار

الحدود والجنوب

أفضل القرارات وأسعدها في الآونة الأخيرة كان قرار الحكومة وتوجيهات المشير “البشير” رئيس الجمهورية التي قضت بفتح الحدود مع دولة جنوب السودان، الذي كان بدوره قد قرر سحب قواته للوراء بعيداً عن حدود 1956. القراران تزامنا بفارق (24) ساعة، وكان ملفتاً فيهما أنهما صدرا من رئيس الدولة في جوبا والخرطوم ما يجعل الأمر ملزماً ومحصناً من الالتفاف و(الجرجرة)، وفي الوقت نفسه فإنه توجه يشير إلى صفحة جديدة المرجو أن تكتب واقعاً مغايراً لشكل علاقة بين بلدين روابط الجمع بينهما فوق تقاسيم السياسة واتجاهات ريحها المتقلبة الفصول والسرعة.
السودان بلا تحيز اتسمت مواقفه بالحياد الإيجابي والموضوعية على امتداد تطورات ودوران عجلة الأحداث جنوباً؛ ظل مترفعاً عن التورط في صراعات التيارات والأجنحة هناك، ووقف مع خيارات السلام والاستقرار في بلده الأحدث جواراً.. كان هذا قبل الحرب الأهلية هناك التي أعقبت الانفصال، وحدث هذا رغم أن للخرطوم أكثر من مائة سبب للدخول في الصراع لأنها ذاقت أخطار الدعم الثابت والمثبت لحكومة الجنوب والجيش الشعبي لكل الفصائل المتمردة ضد السودان قبل (نيفاشا) وأثناءها وبعد أن قضي الأمر بالانفصال، لكن السودان ترفع عن نهج تصدير الأذى وهو موقف وجد تقديراً من جهات كثيرة بعضها إقليمي مثل دول _(إيقاد) وبعضها دولي مثل واشنطن والاتحاد الأوروبي (النرويج)، الذين شهدوا آحاد ومجتمعين بهذا ووثقوه.
الواقع الجديد، ولنتجاوز عن كل ما سبق، وفي حال تنزله واستقراره، يجعل المناطق الحدودية نقاط التقاء مصالح إيجابية بين أطراف الدولتين؛ ليس على المستوى الرسمي وحسب لكن امتداداً إلى صلات شعبية وتداخل اجتماعي وأنشطة تجارية تصب كلها في صالح تعزيز ثوابت البناء الجيد لجدار يؤمن الحدود من أي اختراقات سالبة وضارة بالأمن القومي للبلدين اللذين يواجهان تحديات كبيرة في منطقة إقليمية تتطلب البعد عن التوترات. 
فتح فضاء منزوع السلاح على الحدود المشتركة، الذي تحقق برجوع القوات الجنوبية، يساهم بالضرورة في تنزيل مقررات ومقترحات اللجنة الأمنية المشتركة المشمولة برعاية الاتحاد الأفريقي والآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي عجزت عن فك عقدة وساطتها في هذا الأمر بسبب فشل كل المعالجات مع جوبا لإنفاذ تلك المقررات المجازة بمحاضر رسمية وملزمة، وسيمتد الانفراج لكل اتفاقات التفاهم بين السودان ودولة جنوب السودان وهي اتفاقات عريضة الفوائد على الطرفين.
الحكمة في التطورات الأخيرة أن يتم التعامل مع ما يجري بأخذه خطوة خطوة.. الحبل سيجر إلى انفراجات أخرى تشمل بالضرورة إيواء الحركات المتمردة ضد السودان في بحر الغزال وجوبا أو أي تسهيلات لوجستية للمقاتلين السودانيين، لذا ليس مطلوباً الآن (كشط) كل بثور العلاقة خاصة في قضايا عالقة أخرى ربما يثير لمسها إيقاظ خلايا مضادة للتطبيع وترتيب الأمر على نحو هو الصحيح والأصح بين القطرين الشقيقين.
عليه، فليتم البناء على النوايا الحسنة التي ظهرت؛ ودعوا مائة زهرة تتفتح؛ والأخبار الواردة من المناطق الحدودية خاصة من جانب السودان تؤكد أن الأمر فيه خير كبير خاصة للأهالي وكرام المواطنين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية