فتى يقال له "مروان" بمستشفى الدايات!!
إبان الحكم المايوي انتشرت أعمال الخير ووصفت بأعمال تمت عن طريق العون الذاتي، فبنيت المدارس والمراكز الصحية وبعض المستشفيات، كلها كانت تُشيّد عن طريق العون الذاتي وهو عمل تكافلي يتم عبر بعض الأشخاص الذين سخرهم المولى عزّ وجل لعمل هذا الخير، فيما كانت هناك أعمال خير تتم بواسطة الخيرين الذين منحهم الله بسطة في المال وأنفقوا جزءاً من هذا المال في عمل الخير، أمثال أبو زيد البلك الذي شيد مسجداً بالثورة الحارة الثانية وكان من أجمل المساجد وقتها وما زال، كما شيد مدرسة أطلق عليها اسم مدرسة البلك الثانوية، كانت من المدارس الثانوية المميزة بأم درمان إن لم تكن الأفضل من بين قريناتها، ولم تخرج من العشر الأوائل في امتحانات الشهادة السودانية. كما شيد مستشفى بالثورة الحارة الرابعة، إضافة إلى الكثير من أعمال الخير التي كان يقدمها في السر أو العلن، وهناك خيرون آخرون أمثال النو الذي شيد مستشفى النو بالثورة الحارة الثامنة، بجانب الخيرين الذين أوقفوا ممتلكاتهم لمصلحة الآخرين، فالمولى عزّ وجل يسخر دائماً البعض لقضاء الحوائج لا يكلون ولا يملون، يهبون أنفسهم لها بالليل والنهار..
لفت نظري وأنا أدخل مستشفى الدايات أم درمان أنه يختلف تماماً عن سابق عهده، ففي السابق كان مليئاً بالأنقاض، وحتى العنابر التي كانت مكتظة بالنساء، اختلفت من حيث النظافة والنظام. المستشفى تحس وأنت داخله وكأنك في مستشفى خاص وليس مستشفى حكومي، ونحن نشاهد مناظر المستشفيات الحكومية الآن. المستشفى لبس أجمل حلة، عمليات الصيانة تجرى في صمت في كل جنباته، والعمال لا تسمع لهم صوتاً. سألت عن مدير المستشفى فقيل لي فتى يدعى “مروان إبراهيم عمر”، تخرج في إحدى كليات الطب بجمهورية مصر العربية، عمل لفترة بمستشفيات السودان ومن ثم هاجر للعمل بأيرلندا، نال حظاً في التأهيل والتعليم من المستشفيات هناك، قضى ما يقارب العشرين عاماً، تخصص في علم النساء والتوليد، وعاد إلى السودان يحمل خبرة طويلة في المجال الطبي، ومن ثم برع في العمل الإداري ونال تقدير واحترام العاملين بمستشفى الدايات، وبدأ يعمل في صمت في تأهيل المستشفى مستفيداً من خبرته بأيرلندا وعلاقته بالمنظمات التي تقدم الدعم في مثل هذه المشاريع. منحته رئاسة الجمهورية نجمة الإنجاز لما قام به من عمل دون أن يرهق خزينة الدولة، أو يقف أمام وزير المالية ليقدم له الدعم اللازم لتأهيل المستشفى الذي تفاخر به الدولة الآن وهي لم تقدم مليماً فيه، مثله ومستشفى أم درمان التعليمي الذي برع أيضاً فيه الدكتور “يوسف الأمين” مديره السابق وقدمه لوحة رائعة لا تقل عن المستشفيات الخاصة من حيث المظهر والمنظر، بل جلب له العديد من المعدات الطبية التي تساهم في علاج المرضى.
البعض قد يقول إن المستشفيات ليست بالجمال، بل المعيار تقديم الخدمة الطبية الممتازة وشفاء المريض، ونقول إذا تحسنت البيئة فالكفاءات الطبية السودانية موجودة، فهناك آلاف من الأطباء السودانيين بإنجلترا وأيرلندا والسعودية وقطر وبدولة الإمارات، فإذا ما أحسوا أن بيئة العمل والمعدات الطبية متوفرة فلن يتأخروا فيه كثيراً.
إن الفتى “مروان” لم يملك عصا سحرية لإحداث هذه النقلة وهذا التطور الكبير في واحد من مستشفيات بلادنا، ولكن المولى عزّ وجل سخره لهذا العمل، فكم من مستشفى أو مرفق خدمي يحتاج لمثل الدكتور “مروان”، والإنسان يسعد عندما يرى أمثاله يعملون لخدمة الوطن، وآخرين يعملون على سرقتها ونهبها واختلاسها، فكم من “مروان” يحتاج إلى التكريم والتباهي به، وكم من أمثال أولئك الذين يجب شنقهم؟؟.. نسأل الله أن يكثر من أمثال “مروان”.