إسدال الستار على أكبر قضية فساد شهدتها البلاد
الحكم بالسجن (12) و(10) سنوات على المتهمين الأول والثاني في قضية شركة “الأقطان” وإعمال التغريب لبلوغهما سن الـ(70) في عامي 2017 و2020م
المحكمة تقضي بإعادة مبلغ (16) مليار جنيه (بالقديم) لشركة “الأقطان” واسترجاع أكثر من (16) مليار قيمة الجرارات والغرامة (مليار) جنيه
الخرطوم- منى ميرغني
كشفت الصحف قبل أكثر من خمس سنوات عن عمليات فساد بشركة “الأقطان” أهدرت بموجبها مئات الآلاف من الدولارات من المال العام، ووجِه الاتهام لاحقاً في القضية إلى مدير عام شركة “الأقطان” السودانية السابق الدكتور “عابدين محمد علي” الذي ظل في منصبه لمدة (20) عاماً متواصلة، بالإضافة إلى رجل الأعمال المعروف “محيي الدين عثمان” الذي ارتبط سابقاً بصفقة التاكسي التعاوني الشهيرة. ومن بين الاتهامات التي قدمت ضدهما تأسيس شركات خاصة قوامها أفراد أسرتيهما تحت عباءة شركة “الأقطان”، ومن ثم دخول هذه الشركات في شراكات مع شركة “السودان للأقطان”، التي تحظى بتسهيلات حكومية واسعة.
{ الرئيس يتدخل
اطلع الرئيس “عمر البشير” بوصفه أعلى سلطة في البلاد على ملف الفساد في شركة “الأقطان السودانية”، وفور علمه وبتوجيهات مباشرة منه، قبضت السلطات الأمنية على مدير عام شركة “الأقطان” السودانية الدكتور “عابدين محمد علي” ورفيقه “محيي الدين عثمان” وآخرين. كما أصدر الرئيس “البشير” قراراً جمهورياً بحل مجلس إدارة شركة “الأقطان السودانية”.
{ إسدال الستار
أمس أسدلت المحكمة الجنائية بالخرطوم وسط الستار على قضية فساد شركة “الأقطان السودانية” وقضت المحكمة على المتهمين، الأول والثاني، بالسجن لكل منهما (7) سنوات، والغرامة (1) مليون جنيه، اعتباراً من الأمس، بعد إدانتهما تحت المادتين (21/ 177 الفقرة2) من القانون الجنائي، كما أمرت المحكمة بحبسهما (3) سنوات لمخالفتهما المادة (29) من قانون الإجراءات المحاسبية والمالية، وتحصل الغرامة بأحكام المادة (180)، وأدانت المتهم الأول بالسجن سنتين، وتسري العقوبات بالتطابق.
أما الثالث فقد تمت إدانته وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين والغرامة (5) آلاف جنيه مع مراعاة الظروف المخففة، على أن تسري العقوبة بالتطابق، وعلى المدان “ضرغام الشعراني” بالسجن عامين والغرامة (500) جنيه بالعدم السجن ثلاثة أشهر.. أما المدان “سعد الدين حمدان” المحامي فقد حكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات والغرامة ألف جنيه وبعدم الدفع السجن ستة أشهر، والمدان “عمر يعقوب” بالسجن ثلاث سنوات والغرامة ألف جنيه، وبالعدم السجن لمدة ستة أشهر.. وقضت على المدان “وليد عابدين” بالسجن عاماً مع الغرامة (500) جنيه، وبعدم الدفع السجن ثلاثة أشهر. وتطبيق نص المادة (178) في مواجهة المتهمين الأول والثاني بإرجاع مبلغ (16,25976,14) مليون لشركة “الأقطان السودانية”، بالتضامن أو الانفراد، كما ألزمتهما المحكمة بدفع (16,500,450) مليون جنيه قيمة الجرارات، وتحصل القرارات الموقعة على المدانين الأول والثاني والمبالغ الواردة (التعويض) بالاستيلاء على العقارات والآليات المحجوزة، وذلك حسب الكشف المرفق وبيعها وسداد المبلغ لصالح شركة “السودان للأقطان”، بالإضافة إلى المبالغ الموردة بواسطة المدان الثاني لوزارة العدل، يتم تحصيلها إعمالاً للمادة (198). وقالت المحكمة إن المدان الأول يبلغ في يوم (20/ 1/ 2017) سن السبعين عاماً ويُحضر المدانان الأول والثاني في (20/ 1 2020) لبلوغهما سن الـ(70) لإعمال التغريب، فيما برأت المتهمين من تهمة الثراء الحرام.
{ الوقائع الثابتة
المتهم الأول “عابدين محمد علي الفكي”، الذي كان يشغل منصب مدير عام شركة “السودان الأقطان المحدودة” تم تعيينه بموجب عقد عمل خاص، وهي شركة مساهمة خاصة، وهذه الشركة كانت معنية بتسويق القطن وتمويل المشاريع الزراعية القومية، بموجب تعزيز لنشاطها نقلتها لأغراض التجارة والاستثمار. وكان المتهم عضواً بمجلس الإدارة، وساهمت هذه الشركة بتأسيس شركة “مدكوت للتجارة العالمية” بـ(350) سهماً، إلى جانب المساهمة الخاصة في شركة “المدبرات العالمية”، التي تأسست بواسطة شركة “عين القطر الهندسية” وشركة “الفايدي للحفريات”، هاتان الشركتان أسسهما أشخاص لهم صلة قربى بالمتهمين الأول “عابدين محمد” والثاني “محيي الدين عثمان”. وقد استقرت شركة “مدكوت” في آخر إيداع لدى المسجل التجاري بالأسهم التالية: شركة السودان للأقطان (400) سهم، المتهم الثاني “محيي الدين عثمان” (300) سهم، والمتهم الثالث “محمد عبد الله” (300) سهم. في (19/1/ 2007) تم تأسيس شركة “آزر الهندسية” بأسماء كل من المتهم السابع “مهند علي أحمد” و”محمد بكري حسين” والمرحوم “محمد بابكر حسين”.. في (2010) تم إبرام توثيق بواسطة المتهم الخامس “سعد الدين محمد حمدان”، فحواه تنازل “محمد بابكر” عن أسهمه للمتهم الرابع “ضرغام الشعراني”، وتوثيق آخر بذات التاريخ للمتهم “محمد بابكر حسين” بالتنازل عن أسهمه للمتهم الرابع “الشعراني”. وبوفاة “محمد بابكر” في العام (2008) وبعد الإسقاطات وإعادة التخطيط في الأسهم، كانت جملة هذه الأسهم لشركة “الأقطان” (500) سهم، شركة مدكوت (1000) سهم، ضرغام الشعراني (1750) سهم والمتهم الثاني (1450) سهماً. وفي عام (2009) تم تأسيس شركة أخرى، هي شركة “الدهناء للمقاولات المحدودة” بـ(100) سهم باسم كل من المتهمين الثالث والسابع بالمناصفة، وأسند لهذه الشركة تنفيذ الأعمال المدنية للمحالج الجديدة. وفي (21 يوليو 2010) تم إنشاء شركة “كام نو للهندسة والاستشارات المحدودة” لكل من شركة “مدكوت للتجارة العالمية” و”أحمد حاج النور” بالمناصفة، وأسندت لهذه الشركة الأعمال الاستشارية للمحالج الجديدة. وفي (2 مايو 2007) أنشئت الشركة “الرائدة لحليج الأقطان” بموافقة شركة “الأقطان” وشركة “مدكوت” ومصرف المزارع التجاري والجهاز الاستشاري للضمان الاجتماعي، وشركة “شيكان للتأمين” وشركة “بالكان” التركية. وفي (19 يوليو 2011) تم تأسيس شركة “جي سي كوت”، بين شركة “السودان للأقطان” و”مدكوت” و”أبو بكر البدري والمتهم السابع و”أحمد عبد الله عمر”.
وقال القاضي إن جميع هذه الشركات يمثل المتهم الأول رئيساً لمجالس إدارتها، ما عدا شركة “كان” التي يمثل رئيس مجلس إدارتها المتهم “معتصم أبا يزيد”. أما شركة “مدكوت” فيديرها المتهم الثاني تحت مسمى العضو المنتدب. وحصلت شركة “السودان للأقطان” على تمويل بنك (أيه بي سي) بباريس على دفعات: (40) مليون يورو، (50) مليون يورو و(30) مليون يورو، على أن يتم استغلال هذه المبالغ في استيراد بضائع عن طريق اعتمادات مستندية. وقد تم تنفيذ فتح (16) اعتماداً مستندياً نتيجة لاتفاق بين المتهمين الأول والثاني، وتم إجراء تعلية في الفواتير المبدئية لستة من هذه الاعتمادات. وكان المستفيد من الفواتير المعلية شركتي “بالكان” و”المكس” التركيتين، على أن تقوما بسداد القيمة الحقيقية للجهات المصنعة بدول المنشأ لتلك البضائع وإرسال الفرق بعد صرف وخصم ومصروفات البنوك التركية والعملات، ثم إرسال الباقي لحساب شركة “مدكوت” في السودان في حساب بنك البركة فرع “البرج”، وبنك “بيبلوس”، وبلغ مبلغ التعلية (19,529,548.62) ألف يورو تم خصم جزء منها بواسطة بنك “البركة” تركيا، وما وصل إلى السودان كان حوالي (15,336,696) ألف يورو تم صرف جزء من هذا المبلغ لأغراض الترحيل للبضائع الواردة، وجزء منه على مصروفات المحالج. وكذلك تحصلت “الأقطان” على تمويل آخر من بنك التنمية الإسلامية بجدة لشراء (10) محالج وخيش وسماد يوريا لأغراض محالج جديدة. وقام وزير الزراعة والغابات آنذاك بتكوين لجنة مشتريات للمحالج التي أوصت بضرورة وجود محالج جديدة، وصدر الإعلان بواسطة الشركة “الرائدة لحليج الأقطان” بتوريد وتركيب أربعة محالج أسطوانية حديثة، وخمسة محالج منشارية حديثة ومحلج مزدوج أسطواني ومنشاري، إلى جانب تركيب جملونات، وكل ذلك على حساب “المفتاح”. وكانت الشركات التي ساهمت بواسطة العطاء ست شركات، والتي تقدمت اثنتان فقط. وكان العطاء الفائز هو عطاء شركة “السودان للأقطان”، وقام المتهم الثاني، ولأغراض إبعاد شركة “طالب للتنمية” وأقيلت شركة “زوفا” البرازيلية المصنعة لأحد المحالج المراد تركيبها، قام بالاتفاق مع ممثل تلك الشركة عبر شركة “مدسايت”، وهو شاهد الاتهام “معاوية ميرغني” على أن يمنحه (مليون) دولار للابتعاد عن المنافسة، ورغم ذلك ظهر في مذكرات التفاهم التي وقعت بحضور المتهم أن الفائز بالعطاء هو شركة “بالكان” التركية، ولاحقاً أبرمت معها شركة “الأقطان” عقداً لتوريد المحالج سبعة وثلاثة. كما وقعت شركة “مدكوت” مع “بالكان” التركية، وحدث تراخٍ في تنفيذ عقدي التوريد والتركيب وتجاوز الأجل المحدد بسبب عدم توفر المواقع لتركيب هذه المحالج إلى جانب وجود نزاعات مع ملاك المحالج القديمة في مارنجان والحصاحيصا، مما كبد شركة “السودان للأقطان” مصروفات الترحيل وأماكن تخزين أخرى، كما تم توريد (37) ألف طن أسمنت ضمن الاعتمادات المفتوحة من شركة” الطريف المحدودة” كمواد بناء لصالح المحالج تم بيعها في السوق، لتعود الشركة الموردة لشراء أسمنت محلي من ضمن البضائع الواردة من بنك (أيه بي سي) جرارات سام الإيطالية. وقام المتهم الثاني ممثلاً لشركة “مدكوت”، ببيع عدد (35) جراراً من هذه الجرارات، للبنك الزراعي السوداني وطلب المتهم الأول من المتهم الثامن التنازل عنها لأنها باسم شركة “الأقطان”. وقام المتهم الثامن بالتنازل عنها بموجب إقرار. وكانت القيمة (16,500.950) مليون جنيه سوداني، ولم يورد هذا المبلغ لشركة “الأقطان”. ولأغراض تمويل زراعة القطن لموسم (2010ـ 2011) حصلت شركة “الأقطان” على تمويل من محفظة مصرف المزارع التجاري، بمبلغ (40) مليون جنيه. وتعاقدت شركة “حزام” مع شركة “مدكوت” كمقاول من الباطن للقيام بالعمليات الزراعية وتمت الزراعة بالرهد والجزيرة وحلفا الجديدة،ولكن بمساحة أقل من التي وردت في مشروع الجزيرة، في شهادات الإنجاز التي أعدها شاهدا الاتهام “أبو جودة أحمد علي” و”عمر إبراهيم”. وكذلك لأغراض تمويل زراعة القطن لموسم (2011ـ 2012) حصلت الشركة على تمويل من محفظة بنك النيلين مبلغ (46,777,200) مليون جنيه، وأبرمت عقد مقاولة مع شركة “مدكوت” لإنجاح العمليات الزراعية والعمليات الفلاحية كافة، وقامت الأخيرة بالتعاقد بالباطن مع شركة “جي سي كوت”، التي قامت بمتابعة تلك العمليات حتى تسليم القطن. وكان المنصرف مبلغ (42,671,615) مليون جنيه، وكذلك تعاقدت شركة “جي سي كوت” مع الشركة “آزر الهندسية” لإنجاز بعض التحضيرات بمبلغ (84,5890) ألف جنيه. وكانت شركة “مدكوت” قد اشترت بعقود جرارات “تاب” بمبلغ (264) ألف جنيه ودفعت (300) بموجب عقود موثقة وبشيكات آجلة، ومن ضمن هذه الجرارات قامت شركة “آزر” بتنسيق (50) جراراً منها في التحضيرات الزراعية نظير مبلغ (3,476,9) مليون جنيه، وقامت “مدكوت” بالتصرف بالبيع في هذه الجرارات بالأقساط. وأوكلت مهمة البيع للمتهم السادس “علي محمد محجوب”. إلى جانب ذلك قام المتهم الأول، بصفته مدير الشركة “الأقطان” بضمان شركة “الفايدي” و”أميال” لدى بنك الخرطوم، وسددت “الأقطان” قيمة التمويل وقدره (4,923,888) مليون جنيه، ولم يسترد هذا المبلغ لشركة “الأقطان” إلا بعد خمس سنوات دون أن تعود أية فائدة لـ”الأقطان”. وكذلك عبر المتهم الثالث قام المتهم الأول بصرف مبلغ (1,740) مليون جنيه من شركة “مدكوت”. كما حولت له على حسابه الخاص بلندن من شركة “الحريب” بالسعودية (10) آلاف جنيه إسترليني من بنك “باركليز”، ومبلغ (266,520) ألف ريال سعودي لشراء سيارة خاصة، ومبلغ (790) ألف ريال لأحد أقاربه لشراء باصات، ومبلغ (1,693,13) مليون ريال سعودي لصالح “عبد اللطيف بن صالح بن حسين” بالسعودية، كما صرف مبلغ (50) ألف جنيه بشيك من “مدكوت”، إنفاذا للعقد لجلب التمويل. وتعاقدت شركة “مدكوت” مع شركة “السهم الأسود” كوسيط لجلب تمويل بنك (أيه بي سي) باريس، ودفعت شركة “الأقطان” مبالغ بالجنيه السوداني على أن تخصم “مدكوت” جانباً من الأرباح المتفق عليها.
{ إجراءات فتح الدعوى
فتحت الدعوى الجنائية لدى الخرطوم وسط بعد اكتمال التحريات بواسطة اللجنة المكلفة بواسطة وزارة العدل، وبعد سماع قضية الاتهام واستجواب المتهمين. وكانت التهم الموجهة للمتهمين تحت المواد (21/ 26/123 /178/ 177 الفقرة 2/ 181) من القانون الجنائي والمادة (15) من قانون الثراء الحرام.. وبعد سماع دفوعات المتهمين، تقدم الاتهام والدفاع بالمرافعات الختامية وصولاً للحكم بعد أن ناقشت المحكمة التهم.
{ مناقشة التهم
ناقشت المحكمة البينات المقدمة من الطرفين مع مراعاة إثباتها فوق مرحلة الشك المعقول، وقالت المحكمة إن الدفاع أثار عدم صحة فتح هذه الدعوى الجنائية من جهاز الأمن وان انضمام شركة “الأقطان” كشاكية جاء لاحقاً ضمن إجراءات باطلة وفصل في هذه النقطة، وذكرت المحكمة أنه سبق أن قررت المحكمة في بداية هذه الإجراءات من جانب آخر أن هنالك تهمة أخرى موجهة للمتهمين تحت المادة (123) من القانون الجنائي وهي من الجرائم التي تتعلق بالحق العام ويجوز فيها القبض دون أمر قبض، كما يجوز فيها فتح بلاغ فيها دون شكوى.
وناقشت المحكمة المادتين (21/ 177) من القانون الجنائي إذا كان شركة الأقطان ضمن أجهزة الدولة وجدت المحكمة أنه بموجب مستند اتهام (2) عقد تأسيس شركة “الأقطان” أنها شركة خاصة ذات مسؤولية محددة مؤسسة بموجب قانون الشركات الملغى، والمساهمون فيها مزراعو الجزيرة والمناقل والرهد وحلفا الجديدة الصندوق القومي للمعاشات ومصرف المزارع التجاري بأسهم متفاوتة تم تخصيص شركة الأقطان في تسعينيات القرن الماضي، وتعيين المتهم الأول لم يكن بواسطة سلطة مختصة في الدولة وليس بموظف عام بل مستخدم لدى شركة الأقطان، كما وجدت المحكمة أن المتهم الأول لم يكن مؤتمناً على أموال الشركة كما أنه استغل أقاربه كواجهة لإسناد التمويلين الخارجيين وثبت ذلك من المستندات التي قدمها الاتهام. وجدت المحكمة أن شركة “مدكوت” لها مصلحة من تمويل شركة بنك (أيه بي سي) بباريس، كما لم يثبت للمحكمة أن الشركات الأخرى التي كونت لها مبالغ من الشركة الشاكية.
{ تعلية الفواتير
وجدت المحكمة أن المتهمين الأول والثاني أحضرا تعلية في قيمة الفواتير لـ(40) جرار سام من بلد المنشأ بستة اعتمادات جملة المبالغ (19,529,548) مليون يورو، كما وجدت مبالغ دون بينات إضافية، إلى جانب تحويل مبالغ إلى السودان. وبرر المتهمان أن تعلية الفواتير تمت لمقابلة المكون المحلي وذلك لأغراض التخليص والتخزين والترحيل، وأن المبالغ صرفت في أوجه حقيقية، وكانت شركة “بالكان” عبارة عن وعاء تمويل، وقالت المحكمة إن مجرد قيام شركتي “بالكان” و”المكس” بتحويل هذه المبالغ إلى السودان يعني وجود اتفاق على تعلية الفواتير. وقد برر المتهمان ارتفاع سقف أسعار تعلية الفواتير نسبة لتغيير سعر الصرف في العملات الأجنبية، كما ثبت أن سعر الصرف قد تغير في (2011) نسبة للظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد، وتوصلت المحكمة أن زيادة الأسعار في تعلية الفواتير التي فتحت بها الاعتمادات الستة هي أمر صوري وأن ما قام به المتهمان بوضع المبالغ المالية في شركة “مدكوت” دون وضعها في شركة “الأقطان” بحجة أنها مراقبة من بنك السودان هو أمر غير مشروع، وهو تحايل على القانون.. وعليه قررت المحكمة إضافة تهمة تحت المادة (29) من قانون الإجراءات المحاسبية، وعدّت المبلغ تجنيباً لرقابة بنك السودان.
{ أوجه الصرف
المحكمة بعد اطلاعها على المستندات وجدت أن استقطاع أي من بنوك (أيه بي سي) أو (هال) لمنصرفات بنكية باتفاق يعدّ تصرفاً للقواعد والأعراف الدولية، وعليه فإن أوجه الصرف كانت صحيحة في تلك المبالغ المحجوزة في تركيا.. أما أوجه الصرف عند وصول المبلغ إلى السودان فقد وجدت المحكمة أن هناك مبالغ فتحت بالدولار بدلاً عن اليورو ولم يتم التصرف فيها لأية جهة، ورأت أن الطعن في شهادة الشهود بموازنة تلك البنيات بتلقي لجنة التحقيق المكونة من وزارة العدل لحوافز لا يقدح في شهادة الشاهد.. أما الطعن في شهادة المراجع لطباعته التقرير فهو أمر لا ترجح به أو تعول عليه المحكمة كثيراً.
{ عقود المحالج
المحكمة باطلاعها على عقود توريد المحالج وإنشائها وتركيبها وتشغيلها قالت إنها من التزام من الشركة الموردة حتى تسليم المفتاح وأشارت إلى أن طلبات التصديق كانت تقدم للمتهم الثاني بشركة “مدكوت” باعتباره عضواً منتدباً، ورأت المحكمة أن استيراد الأجهزة دون تجهيز الأمكنة يدخل في دائرة تبديد المال العام، وكان يتطلب إعداد الأماكن أولاً. ورأت المحكمة أن المصروفات والكهرباء وزيوت “الهايدروليك” واستيراد الحديد واستحقاقات العاملين كلها على الشركة الشاكية. وقالت المحكمة إن أوجه الصرف ومبلغ ترحيل البضائع هي مسؤولية بنك (أيه بي سي).
{ رسو عطاء المحالج
وقال القاضي: (كونت لجنة من وزارة الغابات تمت مناقصة لإنشاء المحالج بذلك سبحت ست شركات كراسة العطاء وقدمت شركتان فقط وانتهت بتنازل الأخرى بمقابل مادي)
{ القصد الجنائي
توصلت المحكمة إلى وجود قصد جنائي في حق المتهم الأول، كما وجدت أن هنالك اتفاقاً جنائياً بينه والمتهم الثاني.. من خلال ما طرح فإن المتهم الثاني كان يقوم بأعمال الشركة.
{ التهم
شطبت المحكمة المادة (15) من قانون الثراء المشبوه في مواجهة المتهمين العشرة، أما المتهم الأول فقد تمت إدانته بتهمة خيانة الأمانة الفقرة (2)، وفيما يتعلق بتمويل “الفايدي” و”أميال” فهي مسألة ثابتة بإقرار المتهم الأول والثاني ما يشكل جريمة.. أما بخصوص المبالغ التي صرفت بمراجعة البينات لم تجد أدنى بنية فوق مرحلة الشك المعقول أن هذه الأموال تخص الشركة الشاكية، كما برأت المحكمة المتهمين الأول والثاني والعاشر من تهم الاشتراك في التزوير، فيما برأت المتهم الثالث من تهمة تسلّم المال المسروق.. وفيما يتعلق بالمادة (123) في مواجهة المتهمين الرابع والخامس والتاسع فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك للمحكمة تزوير التوثيق، وأن الشخص الذي أجري معه التنازل توفي منذ العام (2008) وأنه من غير المنطقي أن يكون وقع عقد على بياض قبل سنتين من تحرير التوثيق، لذلك قررت المحكمة إدانتهم بالتزوير.. والمتهم التاسع تمت إدانته بالاحتيال، وبرأت المتهمين الأول والثاني من مخالفات المحالج..
وقدمت هيئة الدفاع دفوعاتها وظروفها المخففة للمحكمة.
{ خلفية تاريخية
تعدّ قضية شركة “الأقطان السودانية” من أكبر قضايا الفساد التي وصلت إلى طاولات القضاء مؤخراً، وتحولت إلى قضية رأي عام، بعد الكشف عن امتلاك بعض منسوبيها شركة أخرى باسم “مدكوت”، ودخلت “مدكوت” في نزاع مع شركة “الأقطان”، وتقرر حسمه بواسطة لجنة تحكيم أصدرت حكمها لصالحها. ووجد هذا التحكيم ردود فعل كبيرة أعادت قضية “الأقطان” للسطح، إلا أن وزير العدل السابق نقل إلى البرلمان عدم موافقة شركة “الأقطان” على الدخول في التحكيم، بما يعني بطلانه، وأكد الاتجاه للطعن فيه. وكان قد ترأس لجنة لتحكيم رئيس المحكمة الدستورية السابق، الذي استقال من منصبه فور الكشف عن ضلوعه في القضية، بجانب وزير العدل الأسبق “عبد الباسط سبدرات”، والمدعي العام السابق “عبد الدائم زمراوي” كممثلين لطرفي النزاع. فيما أكدت المحكمة قبول طلب بطلان قرار التحكيم، المقدم من وزارة العدل مستندة في قرارها إلى المادة (41) من قانون التحكيم لسنة 2005م.