المشهد السياسي
“لطيف” والتطبيع مع الدولة العبرية..!
موسى يعقوب
في تحليله السياسي المشهود بصحيفة (اليوم التالي) صباح (الاثنين) الماضي طرق الأستاذ “محمد لطيف” موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل رغم ما هو معروف وموروث في ذلك الخصوص، لأن الموضوع بات مطروحاً من قبل آخرين.
والتحليل السياسي و(السرحان فيه) وهو من أدوات طرح الرأي أسلوب متعارف عليه إلا أنه يدعو إلى جذب الرأي الآخر وتحريكه، فبضدها تتمايز الأشياء والأفكار.
الأستاذ “لطيف” وهو يمهد إلى علاقة السودان مع إسرائيل، والسودان هو البلد الذي انطلقت منه اللاءات الثلاث في المؤتمر العربي الجامع الذي انعقد في الخرطوم بعد حرب الخامس من حزيران (يونيو) 1967م، عمد إلى ما ينفي كل ما أدى إلى الإجماع يومئذ.
{ فالمصير العربي – برأيه – لم يعد مشتركاً.
{ وقضية العرب المركزية لم تعد مركزية.
{ وقضيتنا التي كانت تقول إن إسرائيل كانت تسعى لتفتيت وحدتنا.. قام بنو جلدتنا بذلك وبجهود أكبر من جهود إسرائيل..!
وفي انفصال الجنوب- يقول “لطيف”- ليس لدينا ما نأخذه على دولة إسرائيل..!
هناك اليوم متغيرات وأوضاع مختلفة على الساحة العربية وللدولة العبرية عبر حليفتها وراعيتها الولايات المتحدة الأمريكية دورها فيها، فالذي حدث في جمهورية العراق وأودى بها دولة وشعباً ومقومات هو الإصرار الإسرائيلي الكاذب على أن العراق يملك سلاحاً نووياً، فكان ما كان وجرى ما جرى إلى الآن وصولاً إلى الحرب على الإرهاب التي نالت من الكثيرين.
أما أن إسرائيل كانت وما زالت تسعى لتفتيت وحدتنا فذلك حق، ودور أبناء جلدتنا فيه هو دور إسرائيلي، إذ فتحت الدولة العبرية الأبواب للمتمردين وحملة السلاح من قادة تمرد جنوبيين إلى “عبد الواحد محمد نور” المتمرد الدارفوري المعروف.
وعندما قامت جمهورية جنوب السودان بعد الانفصال كانت إسرائيل أول دولة حظيت بالوجود الدبلوماسي في الدولة الجنوبية الجديدة.. وتبع ذلك بالضرورة كل الإمدادات والترتيبات التي باعدت الشقة بين الدولتين، فالدولة العبرية حاضرة في جوبا وغيرها من العواصم المحيطة بجمهورية السودان للنيل من السودان تفتيتاً وحصاراً وفرض عقوبات أحادية من حليفها القطب الأمريكي وغيره.
وبنظرة أبعد فإن إسرائيل بطبعها ونشأتها وعقيدتها منذ عام 1948م تعمل لوضع يدها على الأرض الفلسطينية والقدس وفرض قدراتها الأمنية والنووية وغيرها على المنطقة، بحيث كان وما زال النظر إليها وهي كذلك على أنها مهدد أمني للمنطقة، وليست دولة ذات مصالح ومنافع محدودة ومعروفة تدعو إلى التفاهم والتقارب شأن أية دولة أخرى.
فرغم القرارات الأممية وغيرها من لقاءات واجتماعات تفاوض كثيرة وطويلة الأمد في تسوية الأمور بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ركلت الدولة العبرية كل ذلك جانباً وظلت تعمل من أجل استلاب الحقوق الفلسطينية والتغول على الحرم الشريف – القدس الشرقية.. كما يرى الجميع اليوم.
لا ريب يا أستاذ “لطيف” ولا خلاف على أنه ليست هناك جبهة عربية واحدة صامدة ضد العدو الإسرائيلي.. والمصير العربي لم يعد مشتركاً بالقدر المطلوب في الوقت الحاضر ومتغيراته، إلا أن (رفع راية مقاطعة إسرائيل) تفرضه السياسات والممارسات والأهداف الإستراتيجية الإسرائيلية وقدرتها على فرض ما تريد وتشتهي على آخرين أكثر تأثيراً في المجتمع الدولي.
والعاقل في ذلك من ينظر إلى سيف (حق النقض – الفيتو) الأمريكي والأوروبي الذي ظل يحمي إسرائيل ويجنبها العقوبات، فالمحكمة الجنائية الدولية التي توجه سهامها تجاه الأفارقة ودول العالم الثالث ظلت إسرائيل بمنأى عن تلك السهام.
ورغم كل ما ذكرنا من عقبات وصعوبات تقف في وجه التطبيع مع الدولة العبرية وكلها تعود للدولة العبرية نفسها.. ينبهنا الأستاذ “محمد لطيف” في آخر الأمر أن التطبيع مع إسرائيل ليس بالطريق السهل من جانبنا ذلك أن له مطلوبات.. نحن غير قادرين على الوفاء بها.
فعاصفة الحزم السعودية العربية في الحرب ضد الحوثيين في اليمن والسودان جزء من العاصفة تعدّها إسرائيل مهدداً للعلاقة والمصالح الإستراتيجية بينها وبين الجمهورية الإسلامية – إيران التي تعدّ إسرائيل الحوثيين جيشها في اليمن!
ذلك ما قاله “لطيف” الذي عدّ الخروج من العاصفة ثمناً مطلوباً من إسرائيل للتطبيع معها.. والحكومة السودانية ليست بقادرة على دفعه.
وأياً كان مغزى ومحتوى ما ذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي “محمد لطيف” كان التداخل به بالنسبة لنا شيئاً لا بد منه.. فله الشكر والتقدير.