"الحوت" هل ظاهرة تحتاج إلى دراسة؟!
شغل الفنان “محمود عبد العزيز” حياً وميتاً الساحة الفنية والغنائية والمجتمعية، وفي ذكراه الثالثة التي أقيمت مساء أمس الأول بإستاد المريخ تدافع آلاف من الشباب للمشاركة في هذه الاحتفالية التي أولتها الأجهزة الأمنية والشرطية اهتماماً كبيراً، وفرغت عدداً من منسوبيها لتنظيم تلك التظاهرة حتى تخرج بالصورة التي أعد لها أولئك الشباب المفتونون بشخصية (الحوت)، كما أطلق عليه وعلى الحواتة المنسوبين إليه.
فالراحل “محمود عبد العزيز” رغم عدم معرفتي به ولم أكن من المستمعين أو المداومين على سماع أغانيه، ولكن أعتقد أنه ظاهرة تستحق الدراسة من أهل الاجتماع، لأن كبار الفنانين أمثال “عثمان حسين” و”وردي” و”الجابري” و”حسن عطية” و”الشفيع” ومعظم كبار الفنانين السودانيين الذين رحلوا عن هذه الدنيا، لا أعتقد أن ما وجده الراحل “محمود” لم يحظوا به وحتى إذا وجدوا ساحة من الحب والافتتان فإنه يكون محدوداً ولطبقة عمرية محدودة. ولكن الراحل “محمود” مساحة الحب عند الناس تعدت أولئك الشباب، فالإمام “الصادق المهدي” تحدث عنه وعن فنه وعن استقطابه لمجموعة كبيرة من الشباب وربطهم بالفن السوداني، وكذلك الدكتورة “مريم”. وفي إحدى المرات سمعت مولانا “حاج آدم حسن الطاهر” عضو المحكمة الدستورية يمجد فن “محمود”. وقال لي لقد استمعت إلى الفنان “محمود” عبر إذاعة السيارة فوجدته يمتلك صوتاً جيداً والكلمات التي يتغنى بها كانت أجود وأجمل. أما بقية الشعب السوداني رجالاً ونساءً وأطفالاً فقد سحرهم بفنه، ولكن السؤال الذي لم يجد أية إجابة من محبيه أو من قدامى الفنانين، لماذا استأثر “محمود” بهذا الحب من الجميع؟ ما هي المميزات التي جعلته يحتل تلك المساحة الكبيرة في وجدان الشعب، هل اللونية الغنائية التي جاء بها تختلف عما هو موجود في ساحة الغناء السوداني، أم أن هناك سراً منحه له الله لم يعطه للآخرين.
إن الراحل “محمود” فعلاً ظاهرة فنية وإلا لما استمر هذا الحب بعد وفاته وبهذا الكم الهائل من الشباب والشيوخ الذين يتقاطرون للاحتفال بذكراه، وحتى تحل علينا الذكرى الرابعة للراحل “محمود” نأمل أن نجد دراسة وافية من أهل الاجتماع محللين لشخصيته ولفنه، وللحب الذي وجده دون سائر الفنانين أو حتى السياسيين.
فإذا أقيمت ندوة سياسية وكان أبرز متحدثيها الإمام “الصادق المهدي” والدكتور “حسن الترابي” ومولانا “محمد عثمان الميرغني”، وفي الجانب الآخر أقيم حفل كان للفنان الراحل “محمود عبد العزيز”، بالتأكيد سنجد أن حفل “محمود” قد استقطب آلافاً من الشباب متفوقين على أهل السياسة الذين ذهبوا لتلك الندوة التي أقامها حزب الأمة أو المؤتمر الشعبي أو الحزب الاتحادي (الأصل).
“الحوت” ظاهرة تحتاج إلى دراسة.