المؤتمر الوطني في نسخته الجديدة
فاطمة مبارك
في بداية الإنقاذ كان من يتحدث عن التطبيع مع إسرائيل يعدّ مجرماً وخارجاً عن ملة الإسلام، وأذكر عندما طرح البروفيسور “حسن مكي” فكرة التطبيع مع إسرائيل في أوائل التسعينيات من القرن الماضي في لقاء تلفزيوني مع بعض المجاهدين وأظن أن الحلقة تحديداً كانت بين “حسن مكي” والمجاهد “علي عبد الفتاح” واجه البروف “حسن مكي” سيلاً من الانتقادات احتجاجاً على الجهر بفكرته بالرغم من الدفوعات التي قدمها مستشهداً فيها بالاتفاقات التي تمت في عهد النبوة بين اليهود والمسلمين، لكن كانت هذه الفكرة مرفوضة لأنها تتعارض مع ما هو مطروح آنذاك من شعارات تتحدث عن (أمريكا قد دنا عذابها) (الطاغية الأمريكان ليكم تدربنا)، وأمريكا وإسرائيل كانتا سيان بالنسبة للإسلاميين والمؤتمر الوطني على وجه الخصوص.
لكن المؤتمر الوطني في نسخته الجديدة بدأ يلمح إلى إمكانية التطبيع مع إسرائيل، ويبدو أنه يريد التمهيد لطرح فكرة التطبيع كبالونة اختبار ليرى ردود الأفعال من داخل وخارج حزبه أو التمهيد إلى أن هذا الأمر سيكون واقعاً.. هذا ربما يكون لأسباب سياسية حتى يجد مدخلاً مناسباً لتحسين العلاقة مع أمريكا بعدما طرق كل الأبواب، خاصة أن زيارة بروفيسور “غندور” لأمريكا قبل أن يتولى حقيبة الدبلوماسية لم تخرج تفاصيلها للإعلام.. والآن الحديث عن إمكانية التطبيع جاء على لسان وزير الخارجية والمسؤول الأول عن الدبلوماسية في السودان بروفيسور “إبراهيم غندور” نفسه ولم يأبه لما خلفه هذا التصريح من ردود أفعال واكتفى بقوله (سنراجع التسجيل).
ومهما ورد من مبررات وتوضيحات من رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني دكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” عن أن “غندور” تحدث عن إمكانية دراسة التطبيع وهذا لا يعني التطبيع، فإن هذا لا ينفي عدم وجود مثل هذه الفكرة أو وجود قيادات بالمؤتمر الوطني مؤيدة لها.
فكرة التطبيع مع إسرائيل تتناسب مع التوجهات الجديدة لحكومة الحزب الحاكم التي انتقلت بعلاقاتها الإقليمية من مربع الدول المتشددة بعد قطع علاقتها مع إيران إلى مربع الدول الأكثر اعتدالاً التي تضم السعودية ودول الخليج وتعضيداً لحلف عاصفة الحزم وفي إطار إسناد هذا الحلف تصبح كل الخيارات مفتوحة لاتخاذ أي قرار، خاصة أن وزير الخارجية نفسه تحدث عن أنهم سيساندون السعودية في كل سياساتها طالما أنهم أصبحوا في حلف واحد.. الشيء الثاني أن ملف الحوار مع أمريكا حسب حديث وزير الخارجية من الملفات التي ستظهر نتائجها في الأيام القادمة، ومن غير المستبعد أن تكون مربوطة بهذا التطبيع.