الديوان

(كوجي) كاتم أسرار (الحوت) في أول حديث صحفي

ظل يتعامل مع الجميع بكل لطف وتواضع ولم يغالِ في قيمة حفلاته حتى للطبقات الثرية
كان يدفع من جيبه ليكمل فرحة العرسان الغلابة.. وعلاقته خاصة بجمهوره.
ظل محجوزاً لمدة ثلاث سنوات  يومياً متواصلة !
لهذه الأسباب رفض الارتباطات بصورة يومية..!!
حاورته ـ نهلة مجذوب
شاب نحيل يكسو ملامح وجه الحياء والاحترام والهدوء، أذكر أنني قبل وفاة الراحل “محمود عبد العزيز” قابلته في مدخل غرفة الراحل ، حينما كان طريح الفراش الأبيض بمستشفى (رويال كير) حيث كان يمنع الجميع من الدخول حرصاً على راحته وصحته، كان يرتعد قلقاً على “محمود” ، ويبكي كالذي فقد أباً أو أخاً ،ويسيطر الحزن عليه، وكانت الجماهير تهتف لوجوده بالمسرح، قبل مقدم “محمود” والفرقة الموسيقية لأن مجيئه يبشر بقيام حفل (الحوت).. إنه الشاب الخلوق الشهير بـ(كوجي) مدير الارتباطات الفنية لـ”محمود عبد العزيز”، طلبت اللقاء به وعلمت أنه جاره بالمزاد (ثالث بيت من بيت “محمود”) اتخذه الراحل أخاً عزيزاً وليس موظفاً لديه، خصه دون غيره بأسراره وإدارة أمواله وغيرها من شؤونه الخاصة، فكان ابن البيت .حديثه ،وتواضعه ونظراته الشاردة توحي لك أن فيه شيئاً من أدب الراحل “محمود”، وعلمنا أيضاً أنه ومنذ وفاة (الحوت) لم يستطع الحضور إلى منزل الراحل إلا نادراً ولأمر مهم للأسرة، كما لم تطاوعه مشاعره الرقيقة أن يذهب مشاركاً في مناسبات التأبين والذكرى، فقلبه ينفطر مع ذكرياته التي قال إنها يتوسدها في كل الأوقات مع “محمود” وجمهوره الكبير، إلا أنه لم يحرجنا حين طلبنا منه إجراء هذا الحوار، وأجابنا وزاد. وأكد أن الحديث عن “محمود” يحتاج أياماً كثيرة.. ألا رحم الله “محمود عبد العزيز”، الآن إلى ذكريات (كوجي) العطرة مع (الحوت)..
{ منذ متى وأنت تدير ارتباطات “محمود”؟
_ (بصوت خافض).. منذ العام 2006م.
{ ألم تكن قلقاً من العمل مع “محمود” صاحب الشهرة الصاخبة؟
_ لا.. كنت سعيداً، وهو بنفسه قال لي: طريقي كله شوك ، هل تستطيع أن تكون معي في العمل؟ فأجبته بنعم والحمد لله وفقنا كثيراً في العمل معاً ولم تحدث أية مشاكل ولا خلافات، بل كانت الأمور عادية.
{ هل سبق أن عملت مع فنان آخر؟
_ لا.. فقط كنت أهوى عقد ارتباطات حفلات مع بعض الفنانين، لكن علاقتي بـ”محمود” علاقة طفولة، ومنذ أن كنت  طفلاً صغيراً يحبني لوجه الله وكنت أطلب منه الذهاب معه لحفلاته وكثيراً ما يوافق ،ويصطحبني معه في عربته (البوكس)، وكان أيضاً يطلب مني أن أذهب لشراء ملابسه.. “محمود” كانت علاقته مميزة مع كل أبناء الجيران، يحترمهم ويحترمونه للغاية.
{ ماذا كنت تلاحظ في “محمود”؟
_ حبه للبسطاء والمساكين والاهتمام بهم، وكان بجانب دفاتر عقودات الحفلات دفتر خاص بالإنفاق على المحتاجين ،وإلى الآن معي، ولم يعرف ذلك غيري حتى أسرته لا تعرف.. وهو يحترم أي إنسان يقف أمامه.
_ احك لنا بعض مواقفه الإنسانية؟
_ سبق أن أتاني عريس وهو شخص بسيط من منطقة الحاج يوسف، يتمنى أن يغني “محمود” في حفل زواجه وأتى بمليونين ونص المليون جنيه فقط، ، ووقتها كانت قيمة الارتباط (عداد الحفل) في الأعراس قد وصل  إلى مبلغ (10) ملايين ،وذلك تقريباً قبل أربع سنوات، ولم أفد العريس في تأكيد إقامة الحفل لأنه مبلغ لا يكفي حتى للفرقة الموسيقية، وكان “محمود” يراقب حديثي والرجل، فلما جئته سألني: (الزول ده مالو؟) فأجبته: (يا حاج عايز تغني ليهو في عرسو وعندو اتنين مليون ونص)، فما كان من “محمود” إلا أن رد وبسرعة: (الفرحة مرة واحدة في العمر أنا موافق وبتم الباقي).. وفعلاً أحيا الحفل للعريس.
{ هل كان “محمود” حريصاً على (الحفلات التجارية) لدخلها العالي؟
_ لا.. لم يكن يهتم بكثرة المال، وأذكر هنا في ليلة رأس السنة في العام 2012م ،ولم يستطع “محمود” إحياء الحفل. كان قد جاء  متعهد بـ(11) مليون، وآخر مشهور بمبلغ (20) مليون ،فاتفق مع الأول صاحب المبلغ البسيط وعندما سألته رد عليّ قائلاً: (لشيء في نفسي).
{ ما سبب فشل بعض ارتباطات “محمود”؟
_ كثيراً ما تلغى حفلاته بسبب مرضه أو سفر مفاجئ ،وعندها نرجع العربون لصاحبه أو نعقد له ارتباطاً مع فنان آخر. وأؤكد أن “محمود” كان حريصاً جداً على أكل عيشه وأولاده وأسرته من الحلال، كما يقول (أولادي ديل ياكلوا شنو).
{ وهل يرضون ذلك؟
_ لحب الناس لـ”محمود” كانوا يقدرون ظروفه أياً كانت.
{ كم وصل (عداد) أو قيمة حفل “محمود” في آخر أيامه؟
_ كان (10) ملايين للمناسبات الخاصة ،الأعراس مثلاً، ويقبل بأقل من ذلك في كثير من الأوقات تقديراً لظروف الناس.
{ تفتكر.. يمكن أن يتغنى “محمود” بـ(25) مليوناً ،كما بعض فناني اليوم الأقل مرتبة منه؟
_ يستحيل.. “محمود” لا يحب الثراء ولا يغالي في قيمة حفلاته حتى للطبقات الثرية.. وكان يدفع من جيبه ليكمل فرحة العرسان الغلابة. 

{ هل كان “محمود” يخرج كل يوم لحفلة؟
_ “محمود” في العشر سنوات الأخيرة رفض أن يكون على ارتباط يومي ، كما كان من قبل محجوزاً لمدة ثلاث سنوات يومياً متواصلة، وقد أدرك مدى خطورة ذلك وصعوبته على فنه وحياته الأسرية وصحته، فكان يخرج في الأسبوع ثلاث مرات فقط.
{ كيف كان يتعامل مع جمهوره على المسرح؟
_ مثل الأستاذ في المدرسة وتلاميذه تماماً.. اصمتوا، يصمتون.. اهدأوا، يهدأون.. وكثيراً ما حل مشاكل بعضهم دون تدخل الحراس والجهات الأمنية أو الشرطة ،وكان يسعد لهداياهم ويتقبلها بسرور وابتسامة ويتفاعل معهم ويحكي لهم النكات.
{ ما هي أكثر الأماكن التي يشعر فيها “محمود” بالسعادة؟
_ حفلات مسرح نادي الضباط.. يكون مستمتع فيها جداً، بجانب الحفلات في مسارح مدينتي ود مدني والأبيض.
{ هل كان “محمود” يهتم بالاستماع لبعض الفنانين الشباب والصاعدين؟
_ نعم.. وأشهد إنه كان يرتاح لـ”نادر خضر” ويكن له معزة خاصة، وكان يستمع لـ”معتز صباحي” كثيراً ويحبه جداً ،ويرى فيه مطرباً كبيراً، هذا بجانب حبه لـ”حسين الصادق” وإعجابه بصوت “عمر جعفر” وتنبؤه لـ”منتصر الهلالية” بمستقبل مشرق في الغناء.
{ علاقتك بجمهوره؟
_ إلى الآن ما زالت وطيدة يعرفونني جميعاً خاصة مرتادي حفلاته، وبعضهم ، إذا لم ير (كوجي) في مكان حفل لا “يقطع” التذكرة.
{ أخيراً.. ماذا يعني لك “محمود”؟
_ يعني لي الكثير.. أب وأخ وصديق عزيز.. كان إنساناً بمعنى الكلمة، ورجلاً شهماً عزيز النفس نصوحاً، يجالس أبناء الحي يتكئ معهم على الأعمدة ،ويذهب لـ(الدكان) لشراء احتياجاته، وكان متواضعاً لم تؤثر فيه نجومية فنه العظيم واسمه الكبير.. ظل كما هو “محمود” ود الحي الأصيل ود الأصول.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية