"حسين الهندي" الشهيد الحي
عز الدين عمر مصطفى
تمر علينا هذه الأيام الذكرى (الرابعة والثلاثون) لاستشهاد البطل العظيم والشهيد الثائر “الشريف حسين الهندي” الذي لم يهاون، ولم يسالم، ولم يبايع، ولم يصالح، ولم تلن له عريكة منذ أن جاءت مايو سنة 1969م، محمولة على أكتفاف اليسار المتشيخ، وحتى جاء محمولاً على صندوق البطولة والكبرياء والفخار بمدينة “أثينا” عاصمة بلاد اليونان في يناير 1982م، حيث ظل يقاتل ويقاوم الحلف المايوي (المرذول) والذي جاء غريب الوجه والتوجه وذو صبغة حمراء لتروع البلاد والعباد بشعارات القهر و(العهر) والاستبداد والعنجهية، حيث جاءت وهي تحمل الأعلام الحمراء وتردد ثائرين ثائرين في طريق “لينين”.
أقول إن مايو وهياكلها الهشة مثل (الكتائب والطلائع) قد جاءت لخنق الحريات السياسية وتحطيم الديمقراطية، وإيقاف خطاوى التخطيط من أجل إنفاذ المرحلة الاشتراكية، فتعطلت عمليات النهضة والنماء والرخاء، التي خطط لها بكل اقتدار ونفذها كما ينبغي لها أن تنفذ بواسطة الشهيد الحي “حسين الهندي”، فكان كسيدنا “يوسف” عليه السلام، في بلاط الفرعون حيث طلب منه أن يكون حفيظاً على خزائن مصر لتجيء به ومعه وتبعاً له كل بشارات الرخاء والوفرة في الاكتفاء، فخطط الشهيد عندما كان وزيراً لمالية السودان لقيام بند الإدارة العمومية الاسم الكريم لـ(بند العطالة) ومحاربة الفاقة ليتحول كل الصبيان والصبايا إلى كم منتج بدلاً من (كيف خامل) حبسته الظروف الاقتصادية والتي أعقبت حكومة (17 نوفمبر) والتي جاءت ثورة أكتوبر العملاقة لتدك عروش انقلاب عام 1958م، فانتهت عمليات التبطل والخمول والتسكع، فانتفت في طول بلادنا وعرضها ظواهر التعطل والخمول حتى صارت كل أمة السودان تردد في هتافات هندينا البخطط ويدينا، فتحققت التنمية الاجتماعية وكنتاج حتمي للتغيير الاقتصادي، حيث ظلت (سياسة الشهيد) وكلما هبت على السودان هجمات عالمية، في غلاء السلع الاستهلاكية اليومية والتي ستؤثر على معاش الشعب السوداني، فكان يخطط وبكل حنكة لتجئ الزيادات بعض الملاليم على أسعار البن والشاي، والسجائر تفادياً للزيادات التي تمس السكر والخبز كما تفعل بعض الحكومات.
كان الشهيد “حسين الهندي” يؤمن بضرورة الارتقاء والتوسع الرأسي والأفقي، لمشروع الجزيرة العظيم من أجل إحداث التطور الزراعي والنباتي وتحسين نسل الحيوان وهي الخطاوي التي توصل لأعتاب التنمية الشاملة بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، حيث كان ينادي بأن يبقى مشروع الجزيرة هو الأنموذج العملي CARBON Copy لقيام مشروعات التنمية المتكاملة، وكان يعمل من أجل أن يبقى في خدمة المزارعين وعمال الكنابي فيمتلكون الثروة ويمتلكون الإنتاج، وكانت سياسته تقول بأن تباع محصولات القطن داخل الحواشات قبل أن ترحل للمحالج وأن تصير الجزيرة كلها كولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ألم نقل بأن “الهندي الحسين” هو الأب المخطط من أجل التوصل لتحقيق مرحلة الاشتراكية الشعبية!؟
كان الشهيد “حسين الهندي” وحدوياً سودانياً ويتساوى في فكره وعرفه كل أبناء الوطن السوداني بلا حزبية تمزق النسيج الاجتماعي وبلا محسوبية تفرق فتختنق بادرات التماسك والتوحد رغم أنه قد كان الرئيس المحبوب والمفدى لكل الحركة الاتحادية بعد رحيل الشهيد العظيم “إسماعيل الأزهري”، وأن دوافع التحزب الجاهل قد كانت منتفية في فكره ومخيلته فكان أباً لكل (كادح، وفلاح، وعامل).
كان الشهيد “حسين الهندي” مقاتلاً عالمياً وقومياً وقطرياً، فكان نصيراً لكل عمليات التحرر ضد الاستعباد والاستعمار في كل بلاد العرب والعجم، فكان نصيراً لثوار الكنقو بقيادة الزعيم “باتريس لوممبا” إذ كان هو الذي يمد القوات بالسلاح لمقاتلة المستعمر الأجنبي وأعدائه المتمثلون في العميل “تشومبي” وجماعات الكاتنقا، ألم نقل بأن شهيدنا قد سبق حكومته والتي اتهمت بالخيانة العظمى من أجل اغتيال العظيم “لوممبا” فكان “الهندي” مثل جيفارا، يحارب الظلم أينما كان وكيفما يكون.
وكان الشهيد الحي، بطلاً سودانياً حيث قاد الجبهة الوطنية لمحاربة نظام “نميري” فكانت ثورة “محمد نور سعد” وجاءت ثورة “حسن حسين” لتلويع نظام “نميري” وترويع كتائبه وطلائعه، وكانت مجلة (الدستور) هي الواجهة الإعلامية المقروءة التي تناهض مايو وكانت إذاعة “الهندي” بمثابة الذعر، والهلع لنظام مايو وكل أجهزته وسدنته.
إن الشهيد الحي، قد كان حرباً ضد مايو ومنذ أن جاءت كالحة ومستبدة وباطشة حيث التقى بالإمام الشهيد المغفور له السيد “الهادي المهدي” بالجزيرة أبا، وكان معه الشهيد “محمد صالح عمر” واللذين لاقيا ربهما شهداء، ولكن عصابة مايو قد كانت مدعومة بسلاح الجو الساداتي، الشيء الذي أدى لأن تتحول عمليات المقاومة فتنتقل إلى جبال الحبشة، وصحارى ليبيا، وأحراش كل الحدود السودانية حيث كان المقوي المادي يأتي من المملكة العربية السعودية ومن ليبيا “القذافي” ومن سوريا والعراق، كجبهات أمامية لدعم قدرات الجبهة الوطنية.
سيدي رئيس الوطن السوداني العظيم أنني أناديك وسأظل أناشدك وأنت كبير أمة السودان وعظيمها أن تتخذ قراراً جريئاً بتكريم وتعظيم وتمجيد كل الأدوار البطولية لذلك القائد الكبير وذلك بتقييم وتقويم “حسين الهندي”، وذلك بتسمية أعظم المنشآت باسمه تخليداً لذكراه العظيمة، وأنني لأناشد المشايخ الأجلاء، الشيخ “أحمد عبد الرحمن” والشيخ “علي عبد الله يعقوب” والأستاذ “عثمان خالد مضوي” ومعهم وبهم الأستاذ الكريم “مهدي إبراهيم” من أجل الوقفة التاريخية الوطنية مع هذه القامة الوطنية، لبعث التاريخ الحي للإدارة التي قام بها من أجل القطر السوداني وأبناء الوطن والذين ظلت (الجبهة الوطنية) تهتم كثيراً بإعاشتهم والإشراف على حصول معظمهم على الشهادات العليا، حيث نال معظمهم أكبر التخصصات بالجامعات العالمية. رغم أنني قد كنت مؤملاً في تحرك الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة دكتور “الدقير” وأقول لهم بأن المجد والعظمة التي أنتم فيها ما كانت وسوف لن تكون إلا بثورية “الحسين” لا بمثالية “الزين”، فـ”الحسين” لم يبايع ولم يساوم ولم ينحنِ ولم يركع، كما ركع آخرون اختاروا التصالح والمبايعة مع “النميري” وتنكروا لجهاد “الحسين” البطل، وقالوا إن الجنود والمجاهدين مع “الحسين” هم أنصارنا وليس هناك (مقاتلين هنود). وأنا أقول لهم عفا الله عنكم وغفر لكم لأن “الهندي” قد كان عصياً على الانتماء الضيق، فهو في قلوب المجاهدين والعظماء والله نسأل أن يسكنه شهيداً مع الأبرار والشهداء وحسن أولئك رفيقا.