نقد ذاتي
طالعت نصوصاً جارٍ تداولها من حوار للدكتور “أمين حسن عمر” عضو المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني ومسؤول مكتب متابعة سلام “دارفور”؛ أجرته صحيفة (الصيحة).. وكعادة حوارات د.”أمين” فإن إجابات الرجل تميل للمباشرة والوضوح وعدم الخوف والمصانعة في إبداء الرأي وتبيان المواقف، وهي ميزة أكسبت الرجل احتراماً واسعاً بما في ذلك عضوية الحزب الحاكم نفسه وإن كانت لم تخلُ بعض المرات من الضيق بتلك الآراء من بعض طوائف الذين يظنون أن إدمان التصفيق والمداهنة هو من تمام الولاء، وأمثال هؤلاء هم من يهيلون التراب على أحزابهم وأنظمتهم وفي شواهد التاريخ متسع للمثلات بالداخل والخارج.
أعتقد أن آراء أمثال دكتور “أمين” تستحق النظر إليها بعمق وأن يتواصى المؤتمر الوطني بتقييم أعمق لحاله؛ وألا يركن للنوم والطبطبة حتى لا يأتي يوم يكتشف ألا أنصار له أو بنين.
ثمة إشكالات حقيقية ومعضلات تتطلب إعادة ترتيب الأوراق وإدارة النشاط على نحو يجعل هذا الحزب حزباً للجميع، حزباً العمل والمبادرة فيه المعايرة وليس الالتزام بسند لوبي أو شلة، وأن تكون برامجه هي التي تتنزل على المجتمع فيقود الدولة وهي الفلسفة التي تأسست عليها فكرته وقامت عليها دعائمه النظرية.
المؤتمر الوطني يملك مكتباً قيادياً مرتباً، راتب الانتظام والانعقاد، وحسب ما نسمع فإن فيه نقاشات وشواغل كبيرة، لكن بالمقابل فإن الحزب لا يزال يعاني شللاً قاعدياً لا يمكن إنكاره؛ لا أنشطة أو برامج في المحليات أو الأحياء؛ وأما في الريف والضهاري فإنه يوجد فقط في بطاقة مرشح حاز باسم الريف مكانه تحت قبة البرلمان، وحتى على مستوى الولايات فإن الحزب غير ظاهر وبعض الحيوية التي نراها في العمل العام والأنشطة تؤسس على شخصية ومبادرة الوالي على نحو ما نرى في شمال “كردفان” ومولانا “أحمد محمد هارون”، أو ولاية الجزيرة والدكتور “محمد طاهر إيلا”!
الشاهد أن الرئيس “البشير” حينما يزور الولايات تمتلئ الساحات وميادين الاحتفال بالشعب وعموم المواطنين، وأجزم أن هؤلاء خرجوا حماسة لـ”البشير” كقائد محبوب وسند لوالٍ يرجون الخير على يديه، ولا أعتقد أن الأمر نتاج تفاعل عضوية حزبية أو نتاج تفاعلات قاعدية بين الأسر والوحدات، وأعتقد هنا أن الحركة الإسلامية لا تزال متقدمة في درجات الانتظام رغم أن هياكلها أقرب للمقامات الشرفية أكثر من كونها جسماً مطلق السراح لكنها رغم هذا تبذل وتدبر حالها أفضل بكثير من المؤتمر الوطني خاصة خارج “الخرطوم”.
لا نرى مركزياً أو ولائياً مشروعاً حزبياً للثقافة أو مبادرات من نشطائه وكوادره في كثير من هموم البلاد والمجتمع؛ لا حضور أو أثر لقطاعات الشباب أو الطلاب أو المرأة وحتى هذه تتحرك في مناشط موسمية مثل ما يسمى مشروعات إسناد الحوار المجتمعي وهي أنشطة علاقات عامة بائسة التنفيذ لا نرى لها أثراً سوى في ندوات تنعقد بـ”الخرطوم” ولافتات تراصت في واجهات توضع في مواقع جغرافية ليراها بعض المسؤولين الكبار بمعنى رسالة مفادها نحن نعمل!!
الجهود القليلة التي نراها تتركز في الأمانة الاجتماعية والدكتورة “مها عبد العال” وجهود أخرى من أمانة الإعلام يهدر بعضها.
إن ملف الإعلام أصلاً شائك ومعقد وصراعاته أعمق وتشعباته تمتد من المطابع إلى القصر الرئاسي نفسه مما يجعل كثيراً من آراء ورؤى الأمانة نفسها معلومة وغير ملزمة، وعدا هذا فالحزب الكبير حقيقة يعاني تصحراً وجفافاً جعله حزباً يحتاج بالفعل إلى عملية فك وتركيب واسعة ومراجعات، وجعل أداءه محل نظر وإن صمت البعض أو تضجر.
أهل الحزب الحاكم ومن (يهمه الأمر) عليهم الانتباه أكثر للأمانة التي كلفوا بها، فالحال ليس جيداً وأعتقد أن الرئيس “البشير” يدرك هذا وبتفاصيل أعمق وقد أرسل قبل أشهر رسالة أخشى أن يكون البعض قد نساها أو استهان بها.