الإعلام الالكتروني .. الحكومة تهدد بقانون جديد للصحافة!
اتفق خبراء على تضخيمه وتهويله للأحداث
الخرطوم ـــ محمد جمال قندول
خبر صغير، في حجمه، كبير في مغزاه، احتل أمس عناوين الصحف البارزة، أفاد الخبر بأن الحكومة توعدت بحسم الإعلام الالكتروني، بحجة إثارته ونشره أكاذيب مهددة للأمن القومي. وفي السياق طالب وزير الإعلام “أحمد بلال عثمان”، بضرورة إلحاق الإعلام الالكتروني بقانون الصحافة والمطبوعات الصحفية.
ينطوي الخبر على مؤشر لتزايد خشية الحكومة من تأثيرات هذا النوع من الإعلام الحديث الذي بات يسيطر على الساحة، ويلعب دوراً متنامياً في تشكيل اتجاهات الرأي العام، بصورة فاعلة، خاصة في ظل انتشار رقعة الحريات على الانترنت مقارنة بالواقع.
معلومات مغلوطة
وبطبيعة الحال فإن ثمة الكثير من السلبيات التي تحيط بالإعلام الإلكتروني، لعل أبرزها كون أغلب مستخدمي هذا الإعلام من المعارضين للحكومة بالمهجر، والذين ينجرفون في تضخيم وتشويه صورة الحكم والمسؤولين بالبلاد، باعتبار أنهم غير خاضعين لرقابة أو لمساءلة عما يبثون، فهم ينشرون، بلا رقيب أو حسيب، معلومات مغلوطة، وبطريقة متعمدة أحياناً، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة (فيس بوك ، واتساب، انستغرام وأخرى).
ويعد موقع (سودانيز أون لاين) من أشهر المواقع التي تضم ناشطين مناوئين لنظام الإنقاذ من السودانيين حول العالم، ويتفاعلون بشكل يومي يثيرون فيه قضايا تتعلق بالحكومة والمسوؤلين، بالإضافة إلى موقع الراكوبة والذي اعتقل مديرها المدون “وليد الحسين” بالمملكة، قبل أكثر من شهرين من قبل السلطات السعودية .
بجانب ذلك يظهر النشاط الاسفيري المكثف عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير (فيس بوك وواتساب) في عكس الأخبار بشكل فوري، ومناقشتها من قبل المتداخلين، مما بات يدخل المسؤولين في حرج بالغ.
سابقة أولى
وفي سابقة هي الأولى في تاريخ البلاد حققت شرطة جرائم المعلوماتية الأسبوع الماضي مع مدير قروب واتساب (آخر خبر)، الإعلامي “رمضان محجوب” على خلفية نشر الصحفي، أبا يزيد، أحد أعضاء القروب، مداخلة تخص شقيق وزير الصحة البروفسور “مامون حميدة” البروفيسور “حافظ حميدة” والذي اعتبرها الأخير إساءة في حقه، مما حدا به لفتح بلاغ في مواجهة “رمضان محجوب” و”أبا زيد”.
وقبلها بأقل من شهر ونصف دخل الإعلامي “جمال عنقرة” في مواجهة قضائية مع رئيس لجنة الأمن بالبرلمان، الفريق شرطة “أحمد إمام التهامي” بدعوى أن الأخير اتهمه بالعمالة لصالح مصر في أحد قروبات الواتساب.
وتوعدت الحكومة السودانية في أكثر من مرة الإعلام الالكتروني، بمسودة قانون جديد للصحافة والمطبوعات، تشمل أحكامها الإعلام الاسفيري. وكشف وزير الإعلام “أحمد بلال” في أكثر من سانحة آخرها، أمس الأول، أمام البرلمان عن اتجاه حكومته لإنشاء مجلس للإعلام الإلكتروني، معني برصد ومتابعة ما ينشر على الانترنت.
وأكد على اكتمال الترتيبات الخاصة بإنشاء محكمة الصحافة والتي قال إنها ستباشر عملها عقب إجازة قانون الصحافة والمطبوعات الجديد، الذي ستقدمه الوزارة خلال دورة البرلمان في أكتوبر فور إجازته من الهيئة التشريعية، خاصة أنه لا يوجد قانون مختص بالصحافة الالكترونية في السودان، وأن قضايا النشر الالكتروني يتم التعامل معها وفقاً للقانون الجنائي السوداني وقوانين المعلوماتية.
في الوقت نفسه، تعاني فيه وسائل الإعلام التقليدية في السودان سلسلة من المضايقات والرقابة والتدخلات الحكومية في عمل الصحف. ولجأ الصحافيون في السودان إلى إيجاد منابر بديلة على الانترنت، للإفلات من الحصار والمضايقات الحكومية.
إعلام مناوئ
القيادي بالحزب الاتحادي (الأصل) والقانوني الضليع الدكتور “علي السيد”، قال إن الأنظمة الشمولية تخشى من أية نسمة هواء، ناهيك عن الإعلام الالكتروني المضخم. وأضاف في حديثه لـ(المجهر): أن الدولة باتت تلجأ إلى حجب مواقع إباحية وغيرها من الأنماط غير المرغوبة، ولكن تكلف أموالاً ضخمة. ويرى “السيد” بأن على الحكومة أن تتعامل مع الإعلام الالكتروني بتصحيح المفاهيم السالبة عنها، بجانب أن توظف ملحقيها الإعلاميين بصورة أكثر إيجابية بدلاً من اتخاذهم مبدأ (النفي والحجب) طيلة السنوات الماضية. وزاد: عليها أن تصنع إعلاماً مناوئاً ومضاداً عبر إعلامها حتى لا تتأثر.
واعترف “السيد” بأن الإعلام الالكتروني يضخم ويهول، قائلاً: إن هذا من خصائصه.
قدرة الحكومة
غير أن للخبير الإعلامي د.”صلاح الدين الفاضل” رأياً آخر. فهو يرى بأن ما يمارس حالياً بالاسفير ليس إعلاماً، وإنما هي أشياء عشوائية، على حد وصفه. وأضاف: الإعلام رسالة، وليس ما يحدث الآن يسمى إعلاماً.
ولا يتفق د.”صلاح الدين” أن الإعلام الالكتروني بات يشكل مصدر خوف للحكومة، ويقول إن الأخيرة باستطاعتها أن تحد من خطورته، عبر وزارة مخصصة له، وهي وزارة الاتصالات.
ويواصل د.”صلاح الدين الفاضل” حديثه ويعترف بأن الإعلام الالكتروني يضخم الكثير من الأمور، ولكنها ليست ذات أبعاد سياسية فقط وإنما فيها التناول الاجتماعي والاقتصادي والرياضي، وفيها سلبيات وإيجابيات. وزاد: الحلال بين والحرام بين. ولكن يجب أن نعترف أن ما يثار في الفضاء الاسفيري يحتاج إلى ضبط أخلاقي، يأتي عبر تشريعات جديدة وقوانين، تنظم عمل هذه النوعية من الإعلام.
المارد الجديد
البروفيسور “علي شمو”، وصف الإعلام الإلكتروني بــ(المارد الجديد) الذي بات ينتشر مؤثراً بعمق على السلطة والمجتمع، يرى “شمو” بأن القروبات الفورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي،في شكل مجموعات، تتناول الأخبار والآراء، وهي خدمة جديدة من الصعب السيطرة عليها. ويضيف: هنالك الكثير من الآراء التي يتم تبادلها بمساحات واسعة من الحرية داخل هذه القروبات المغلقة، والتي فيها سودانيون حول العالم مما يحد من إمكانية السيطرة عليها .
ويرى “شمو” بأن الحلول تقع في أن يتفق الناس فيما بينهم بأن يكونوا أكثر احتراماً ومهنية في النشر، خاصة أن القروبات بهذه المواقع فيها آدمن مشرف بمثابة رئيس تحرير.
ويرى بأن ما يناقش في الاسفير ليس فقط قضايا سياسية، وإنما يمتد لكل القضايا الاجتماعية والثقافية وغيرها، ولكن حينما يتعلق الأمر بالسياسة، فإن ذلك يقلق مضاجع الحكومات.