قرار للصالح العام
أعلن السودان قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستدعت السلطات السفير الإيراني أو من يقوم بمهامه، وأخطر بالقرار في مقر الوزارة. هذا هو مضمون الخبر الذي مدخل تحليله ضبط العبارات لأنه يتحدث عن قطع لتطورات معلومة بالمنطقة العربية، تمثلت في واقعة الاعتداء على السفارة السعودية بطهران وقنصلية المملكة بمشهد، وكذلك لأسباب أخرى مكملة للحدث ليس من مسئولية السلطات نشرها للسابلة، طالما أنها أديرت نقاشاً وتقليباً للأمر داخل كابينة القيادة. وأقول لهذا لجنوح بعض المرويات لإيراد طرد البعثة وذاك موقف آخر يتخذ بطرق أخرى من حيث الأسباب ونهج الإبلاغ والدفوعات بالضرورة، ويكون عادة مرتبطاً بوقوع حدث مباشر تتضرر منه الدولة المضيفة وتتورط فيه البعثة المطرودة.
القرار قطعاً وقياساً على ردود الأفعال الدولية والمحلية قرار صائب؛ وله عوائد سياسية لصالح السودان ليس فيها ما يعيب أو يجرح خاطرة مقاصده؛ فهو امتداد لتوجهات السودان الجديدة في بناء تحالفات بالمنطقة تدعم دوره وحضوره الدولي، وتربطه بعمقه الاستراتيجي العربي الذي حضر في مشهده العسكري بقوة وفي مشهده السياسي عبر عاصفة الحزم، فإن كانت بلادنا قد مهرت عقد موقفها الجديد بالدماء والأرواح فليس غريباً أن تتقدم دبلوماسياً نحو خطوة قد تتأخر لدى بعض الدول، لكنها حتماً ستكون حراكاً عاماً الغالب فيه إسناد المملكة العربية السعودية والوقوف بصفها.
اللافت في هذا الموقف كان عندي حالة الغليان التي اجتاحت بعض قوى المعارضة التي كان سابقاً تندد بغربة وعزلة الحكومة الدبلوماسية عربياً والتي كانت توظف العلاقة مع طهران والخرطوم، باعتبارها شاهداً على استخدامات الحكومة لقوى شريرة مثل إيران؛ ورصت في بناء هذا الخيال أكواماً من الحجارة والنصوص المهدمة. الغريب أن ذات الأصوات الآن تتباكى على الصداقة وتتحدث عن مقاصة للمصالح دخلها السودان؛ نسي أولئك كل خرافاتهم وفرياتهم القديمة، وكادوا أن يتحولوا لأهل لطميات وأحزان على قطع العلاقة مع إيران، وهو موقف غريب لكنه يؤكد حقيقة أن بعض المعارضة تنتقد لمجرد الانتقاد وتهاجم وفق عكس اتجاهات الريح.
السياسة فن مرن؛ نجاح أي بلد في أمر مصالحه يكون بقدرته على التعامل وفق تطورات الواقع؛ صحيح أن هناك ثوابت والسودان لم يكسر ثابتاً؛ ثوابت ترسيخ السلام ودعم فرص التعايش والتعاون لم تخرقها الخرطوم؛ خرقتها طهران المتورطة في كامل إشكالات المنطقة العربية من سوريا للعراق ثم اليمن؛ تنازل مرات مباشرة وأحياناً عبر وكلاء ومناديب! لذا فأخلاقياً لا يمكن إدانة السودان قط فقد اتخذ موقفاً مناسباً في توقيت به حق السبق والمبادرة.
جربت بلادنا من قبل التعامل بنظرية الوقوف في المكان الخطأ والصف الخطأ؛ دفعنا الثمن عزلة وقطيعة اضطرتنا لبذل سنوات من رهق الشرح والإبانة ولا أقول الاعتذار، وحتى بعد أن انصلح الأمر ظلت مرارات النفوس عالقة ورغم ذلك يحمد للملكة العربية وغالب دول الخليج، أنها ظلت وفية لهذا البلد عكس إيران التي بسببها ظل السودان مشبوهاً ومطارداً ودون أن يكون لهذا أي سند وعون بآي شكل وحتى سياسياً لم يكن لطهران فائض نقاط تدعمنا به في مجلس الأمن أو المنظمة الدولية، لأنها أصلاً إن لم يرد ذكرها بخير فهي في الأغلب متهمة ومدانة؛ السودان مصالحه وسلامته وسيرته أن يكون في صف إخوانه الطبيعيين من الخليج إلي المحيط، وحيث أن لا حياء في السياسية. وكما يقول المصريون (بتكسبو ألعبو). وبلادنا في ظل هذه التطورات لاعب رابح بحسابات السياسية ولاعب ملزم بالدعم لإخوانه أكثر من أي وقت مضى؛ ولا يمكن البتة التردد في مقارنة بين أيهما الأقرب للخرطوم الرياض أم طهران؛ الإجابة الأكيدة بلاد الحرمين ومهبط الرسالة وممشى الصحابة؛ هذه وحدها تكفي لدعم السعودية اليوم وغداً ودوماً.