"عطا"
تابع الوسط الصحفي، وحتماً السياسي، الحوار الكبير الذي أجرته الصحفية النابهة “لينا يعقوب” بالزميلة (السوداني) مع الفريق أول أمن مهندس “محمد عطا المولى عباس” المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني؛ والحوار اكتسب وزنه قطعاً من كونه أول حوار لحامل أسرار البلاد وممسك ملفاتها وهو شخص عرف عنه قبل أن يتولي منصبه وبعده ابتعاده عن الإعلام، فلا تصطاده المقل إلا في مكانه المخصص بحكم موقعه في المناسبات والزيارات، ولا تلتقط لواقط الصوت حديثاً له إلا عند الضرورة وفي مواقيت المناسبات التي يغشاها بحكم منصبه.
أمر آخر توقيت الظرف السياسي والإعلامي الذي كان بالفعل يحتاج لحديث يحدد كيف ينظر الأمن ويفكر في سياق المشهد العام بالبلاد وهو مؤسسة أساسية في هذا الحراك، إذ إن فهمي المتواضع يرى أن أجهزة المخابرات ليس في السودان وحسب ولكن في كل العالم شريك فاعل بالإرشاد والتوجيه في صناعة الفعل السياسي والاجتماعي العام، فهذه مؤسسة وإن كانت عسكرية لكنها ذات طبيعة خاصة تخول لها أن تكون (الرسام) لبعض المشاهد، ولهذا ولكثير غيره كان مهماً أن يرى الناس كيف تفكر من خلال مديرها العام.
حرصت على قراءة المنشور من أجزاء الحوار والذي لا أعتقد أني بحاجة لتقريظ الصحفية التي أجرته فهي مشهود لها بالوعي والكفاءة الجهيرة والمثابرة التي ما تراخت معها عزيمتها، وأظن أن الفريق أول “عطا” كان بالفعل كبيراً ومحترماً وهو يمنحها هذه الفرصة لأنه رجل يقيس الآخرين بعقولهم وليس أعمارهم؛ وأقول وبعد فحص للحوار والإفادات التي فيه إن أول ما لفت نظري التحضير والحضور الممتاز لمدير الأمن؛ بدا لي جلياً أنه يعرف ما يقول وكيف وأين يضع علامة الوقف الجائز واللازم؛ بل أكثر من ذلك فإنه في بعض أجزاء الحوار نجح- أي “عطا”- في استجواب الصحافة بالإجمال وأقام عليها الحجة بالبيان والأمثلة.
وضح وبشكل لا يقبل المغالطات أن جهاز الأمن والمخابرات قد هزم الصحافة (عشرة لصفر)؛ بمثال النسب والإحصائيات المرتبكة التي تقدمها ألسنة المخبرين وأسنة أقلامهم؛ سواء أكانت حديثاً عن مرض أو أرقاماً تتعلق بنسب الفقر أو غيره.. مدير الأمن قال إنهم حتى بعد النشر يتحرون ويجدون مفارقة ونسباً أخرى غير! وذات أولوية التحري والاستيثاق تسقطها الصحافة رغم أنها ملزمة بها للتحقيق والتدقيق كاشتراط مهني لا يحفل به أحد لأن السمة الغالبة التي لا نعترف بها نحن معشر الصحفيين هي استسهال النشر في ظل انهيار (السيستم) الصحفي الذي يجعل النص مبذولاً خبراً أو رأياً من المحرر أو المصدر لرئيس التحرير، الذي في الغالب في شغل عن فحص ما ينشر تحت اسمه بشواغل أخرى مفيدة!
إن المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات فتح الباب لتداول ينبغي أن يتعامل معه الزملاء في الوسط بشيء من الإيجابية، وأعتقد أن الرجل تحلى بتهذيب رصين ولو أنه شخص غير “عطا” لمسح بنا الأرض، لكنه اكتفى بإشارات على قدر الحاجة فيما علينا أن نكمل التداول حول كثير؛ كبير وخطير.
نقد الصحافة لنفسها مفيد لعموم التجربة الصحفية الوطنية التي تعاني اختلالات أدناها حساسية غير مبررة تجاه التصويب وتحيزات وظيفية تجعل أي إقرار بالحق عليها إنما هو حسد ومؤامرة وتحرف لتدمير صحيفة أو قلم؛ هذا رغم أن بعض الصحافة قد يهدم وطناً.