تحقيقات

طلاب ومريدو "خلوة الأندلس" يتحدثون إلى (المجهر) ويكشفون الحقائق

مبدأهم في التعاملات الدينية (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)
زارتهم ــ  أمل أبو القاسم
لم تكن الرحلة إلى حي الأندلس جنوبي الخرطوم حيث الخلوة التي ينتمي إليها الـ(27) شخصاً المتهمون بالردة بالأمر الهين، فثمة مخاوف تناوشتنا وسبقت خطانا ونحن وقوف أمام “خلوة شيخ موسى” الكائنة بمربع واحد وتلبستنا الحيرة وتساؤل يطل على رأس لساننا هل نترجل وندخل الخلوة؟ أم نكتفي بسؤال جيرانها- أي الزاوية؟ لكن.. هل سيتجاوب معنا هؤلاء؟ أم أن الخوف الذي احتجز الحروف في حلوقنا سيمنعهم مثلنا؟ ولا غرو في ذلك إن حدث، فالتطرف الديني واختلاف العقائد الذي اندلق على المجتمعات وعطن أرضها بالدماء ألجم الألسنة وأخرس العقول التي باتت حجتها ضرباً من هراء في ظل التعصب الديني والعقائدي، بيد أن مرونة لا تتسق مع ما دار في مخيلتنا من صلابة موقف مرتعب بادرنا بها جماعة الخلوة الذين لاحظوا وقفتنا وسمعوا سؤالنا المتلعثم لصاحب البقالة المجاورة، وجاءنا أحد الصبية الحضور وعرّف عن نفسه بأنه من طلابها، واستوقفنا ريثما ينادي على عضو من الخلوة التي احتشدت باحتها بمجموعة من “الموتوسيكلات”، فيما كانت هناك أقدام تسوق الخطى وتنهب الأرض تدخل على عجل ومن ثم تغلق خلفها الباب، ولم نلبث كثيراً حتى عاد إلينا بشاب أخذنا إلى منزله المجاور للخلوة ليستفسرنا على مهل، وبعد أن فهم غايتنا عاد وفي معيته اثنان ودار بيننا الحوار التالي..
{ اتهام ودحضه
“خالد موسى” (تاجر)، “سيف الدين إدريس” (تاجر)، “يوسف ميكائيل” (صنايعي) والشيخ “عبد السلام جبريل”، أحاطوا بنا ونحن جلوس في منزل “سيف الدين”، وبعد كرم الضيافة من مشروب غازي وقهوة أذابت المخاوف التي كانت تنتابنا وأزاحت جبل الجليد حد الجرأة في طرح المحاور والنقاش وما قيل وتردد بحقهم، فكان سؤالنا الأول عن حقيقة طردهم من مدينة المناقل التي امتد نشاطهم الدعوي فيها وزاد تكتلهم الأمر الذي أزعج الأهالي فقاموا بمضايقتهم حتى تركوا المدينة ونزحوا إلى الخرطوم التي واصلوا فيها ممارسة عقائدهم واستقطبوا أكبر قدر من الطلاب والمريدين!! فنفوا ما تردد عنهم وقالوا إنه حديث عارٍ من الصحة، فأعقبناه بثانٍ: إذن متى كانت بداية نشاطكم وتأسيس الخلوة التي وللمرة الثانية تحتجز السلطات بعض مريديها بتهم الردة، ولا يفوتنا أن شيخ الخلوة الحالي وأركان حربها هو الشيخ  “يحيى عمر إبراهيم”؟ فكان رد “يوسف ميكائيل” إنه ومنذ مولده في العام 1982م والخلوة قائمة نشأ وترعرع فيها.. وتناول منه الحديث “خالد موسى” موضحاً أنها منذ أمد بعيد كانت مبنية من الحجارة وفي التخطيط الجديد في التسعينيات تم تحويلها إلى مكانها الحالي.. أما عدد المنتمين لها فقال إنهم كثر جميعهم من الهوسا ،والبرنو من شيوخهم حتى صغارهم.
{ ذات الجماعة القرآنية
أما شيخ الخلوة التي ينتمي إليها الـ(27) متهماً بالردة الذين تجري محاكمتهم هذه الأيام “يحيى عمر إبراهيم” فقد سبقت إدانته بالردة في العام 2012م ونظرت في قضيته محكمة جنايات حي النصر مايو جنوب الخرطوم بمعية (129) متهماً بالردة بعد توفر معلومات للشرطة بوجود مجموعة من الرجال والنساء تخلت عن السنّة ولا تعترف بأقوال الرسول “صلى الله عليه وسلم” وتسمي نفسها بـ(الجماعة القرآنية)، وعليه تم القبض على (138) متهماً داخل خلاوٍ بمايو برفقتهم ست نساء، وبعد التحري معهم أطلق سراحهم وشطبت الدعوة بعد أن أعلنوا توبتهم وقطعوا بعدم العودة للمعتقدات السابقة، وأمرت المحكمة بإغلاق الخلوة التي اتخذت لتدريس علوم القرآن دون السنّة للأتباع، ومنعت إقامة الصلاة فيها.. كل ذلك بعد الاستعانة بعضو هيئة علماء السودان الشيخ “محمد أحمد حسن” واستفسرته عن الجانب الشرعي في تراجع المتهمين عن المعتقدات الدينية التي كانوا يؤمنون بها، وبموجب ذلك طويت القضية.
لكن وبموجب ما قاله مُجالسونا فإن هناك تشابهاً لا تخطئه مخيلة في معتقدات هؤلاء وتلك القديمة التي دفعت بشيخهم في العام 2008م لكتابة استتابة على خلفية اهتمامهم بالقرآن والعمل به دون غيره.. وعندما ناقشناهم حول مربط الفرس الذي على إثره تم القبض على الـ(27) متهماً ، جاء ردهم بآية قرآنية من سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا …)، في إشارة إلى أنهم يحتكمون إليها ولا يقبلون جدالاً حول ذلك، مبدأهم الآية الكريمة (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)..
{ صلاة مفتوحة
سألنا إن كان حضور الصلاة حصرياً، فقالوا إنها مفتوحة لكل من يرغب ولا يمانعون في حضور غير المنتمين للخلوة من المنطقة أو غيرها. أيضاً في ردهم على سؤالنا عن موقف مصلي الجامع قبالتهم؟ قالوا إنه لم يسبق لأحدهم أن تدخل في شؤونهم أو منعهم عن أداء شعائرهم وتلاوتهم وتدريسهم القرآن وتفسيره، وكذا أية جهة أمنية أو شرطية لم يسبق لها محاسبتهم أو الالتفات لأمرهم. ولعل هذا ما يعزز قول الشارع العام بأن التطرف الديني لا يحدث إلا في المناطق الطرفية القصوى بحيث يكونون بعيدين عن الرقابة، حيث إن كل الوقائع من شاكلة هذه القضية وقعت فيها.
{ فصول القبض والتحري
وفيما يخص القبض على زملائهم.. الكيفية والأسباب، قالوا إنها ليست المرة الأولى، فقد سبق أن تم القبض على الشيخ “عبد الرحمن سعيد” بتهمة اتخاذهم منهج “بوكو حرام” وقد اعتقلته السلطات وخمسة آخرين برئاسة المركزي وتحرت معهم لثلاثة أيام ولم تجد ما يشي بذلك فأطلقت سراحهم. أيضاً الشيخ “إلياس محمد عبد الله” سبق اعتقاله، وبالنسبة للبلاغ الأخير ، فان الشاكي الذي ينتمي للمباحث كان ماراً بالطريق ولم يتبين ما يقوله هؤلاء، فقط اكتفى بتجمعهم وقال أثناء التحري معه صباح أمس إنه لم يتبين ما بيدهم فقط رأى كتباً خلفيتها حمراء ولم يسمع مكبرات صوت، وما حدث هو أن جماعتهم كانوا بصدد دعوة درجوا عليها في سوق “دردوق” بمنطقة مايو وكان شيخهم يقرأ القرآن ويفسره  رفيقه بالرطانة. وقالوا إنهم فهموا من كلام الشاكي أنه “رطاني” لأنه استشف من حديث المتحدثين في الندوة أن صلاة الجمعة أربع ركعات وبدون خطبة ولا يوجد آذان للصلاة بل يكتفون بـ”الصلاة.. الصلاة”. وأضافوا إنه قد تم القبض في اليوم الأول الموافق 2/ 11/ 2015م على ستة أشخاص وفي اليوم الثاني (21) شخصاً بينهم شخصان وبقية المتهمين أقروا جميعاً بأنهم مسلمون. وواجهناهم بأن أحدهم أقر في يومية التحري بأن صلاة الجمعة ركعتان، فكان ردهم بأنه لا يتبع لهم وهو من العابرين الذين وقفوا للاستماع للندوة.
{ يضعف الموقف
أيضاً سألناهم عن ما إذا كانوا قد وكلوا محامين للدفاع عن زملائهم، فقالوا إن ستة أو سبعة محامين انبروا من أنفسهم للدفاع عنهم. 
كل قبيلتهم المتشعبة التي تقيم بالمنطقة (الأندلس مربع 1) وغيرها من المناطق يكتفي أفرادها من صغيرهم إلى كبيرهم بالخلوة ولا يهتمون لأمر المدرسة، فكل المواد يجدونها في القرآن (الرياضيات والعربي والفقه).. قلنا لهم: واللغة الإنجليزية؟ قالوا هي أيضاً بطريقة أو بأخرى تعلموها.. وعن ما سيؤول إليه مصير خريجي الخلوة من الصبيات والصبيان قالوا إنهم يعملون في الأعمال اليدوية وغير ذلك، فيما استطاع بعضهم الحصول على وظائف مع ذلك ومحدثنا “خالد” أحدهم، حيث عمل لفترة في شركة (أم تي أن) قبل أن يتحول للتجارة.
{ ليست الأولى
هذه القضية قيد التحري ليست الأولى من نوعها، فبخلاف قضية شيخ “يحيى إبراهيم” شيخ الخلوة محل النقاش التي دارت أحداثها في العام 2008، فقد كانت هناك قضية شهيرة شغلت الرأي العام وقتها، ترجع إلى سبعينيات القرن الماضي، ادعى خلالها “سليمان أبو القاسم” البالغ من العمر (64) عاماً من مدينة نيالا النبوة، ثم تاب، وعاد مرة أخرى، فقد أقام وأتباعه بمنطقة الأزهري جنوبي الخرطوم ندوة ادعى فيها أنه “المهدي المنتظر”، وقد التف حوله عدد من المواطنين بينهم طلاب جامعات، وقال أيضاً إنه المسيح “عيسى بن مريم” جسداً وروحاً، نزل من السماء روحاً من رحم امرأة تدعى “دار السلام محمد”.. وفي العام 1981م طلب منه حسب ادعائه إبلاغ الناس بالدعوة التي بدأها في سجن نيالا، وانطلق بها في الخرطوم حسب الوحي في العام 1995م، وباستجوابه وأتباعه ادعى كل المتهمين أنهم يؤمنون إيماناً قاطعاً بأنه المسيح عليه السلام و”المهدي” المنتظر وخليفة رسول الله يصلي الجمعة بمنزله ولا يصلي خلف أمام لأنه هو الإمام، وأنه مرشد لليهود، وبلغ بأتباعه أن أنشأوا صفحة على (فيسبوك) تدافع وتدعو لمعتقداتهم وتبعيتهم.. وانتهت القضية التي جرت وقائعها في العام 2011م بتغيير أقواله وموافقته على الصلاة خلف أمام، وشطب بلاغ الردة بعد أن استندت المحكمة إلى رأي الفقهاء وإلى الذين قالوا إنهم غير مرتدّين. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية