حافز الأداء الوظيفي.. اختلال المعايير!!
أكبر أبواب الفساد بالخدمة المدنية
رئيس علاقات العمل باتحاد العمال: الحافز تحكمه لائحة الخدمة المدنية لسنة 2007م
رئيس نقابة عمال الصحة: الوضع المعيشي يحتاج إلى تحسين الحافز بقدر أكبر
تحقيق- عمد الحلاوي
حتى وقت قريب كان حافز الأداء الوظيفي يتقاضاه الكل وفق شروطه، لتتغير هذه القاعدة في الكثير من المؤسسات، لتمنح وفق نظرية (الناس مقامات)، بعض الإدارات يتقاضى العاملون بها الحافز والبعض لا.. والقائمون على أموال الدولة نائمون يوقعون للصرف على الحافز وهم مغيبون عن الوعي يوقعون بالصرف لمن لا يستحق.. ليصبح الحافز من أكبر أبواب الفساد في الخدمة المدنية.
وعليه تطرح (المجهر) عدة أسئلة في هذا المقام على الوجه التالي:
• هل يقوم نظام الحافز في الخدمة المدنية في السودان على أسس وقواعد موضوعية؟
• هل يحقق الحافز الشعور بالرضا بين الموظفين؟
• هل يتأثر الحافز بالميول الشخصية والمحاباة للمديرين؟
• هل هناك عدم تكافؤ في التدريب بين المتنافسين للحافز؟
وقد أجمع عدد من الموظفين استطلعتهم (المجهر) أن منح الحافز داخل مؤسساتهم لا يقوم على أسس وقواعد موضوعية، بل يتأثر كثيراً بالميول الشخصية والمحاباة للمديرين، الأمر الذي جعله لا يحقق الشعور بالرضا بين الموظفين، ما أقعد بالخدمة المدنية وجعل الحافز باباً من أبواب الفساد بها.
{ تحكمه لائحة الخدمة
قال رئيس علاقات العمل باتحاد عمال السودان “فتح الله عبد القادر” لـ(المجهر) إن نظام الحوافز يختلف من مؤسسة إلى أخرى، وذلك حسب طبيعة ودور كل مؤسسة داخل المجتمع، غير أنها في النهاية لا تختلف عن كونها حوافز ذات شقين رئيسيين هما: (حوافز مادية – وأخرى معنوية)، كما أن هناك عدة طرق تتخذها كل مؤسسة على حدة لتوظيف هذه الحوافز للوصول بها إلى أقصى درجة من الاستفادة بالنسبة لكلٍ من الموظف والمؤسسة.
وأبان أن نظام الحافز تحكمه لائحة الخدمة المدنية لسنة2007م ويمنح لمن أدى أداءً مرضياً وفق تقييم مدير المؤسسة له، وله عدة أشكال منها:
{ الحوافز المادية
وهي تتمثل في الأجر وساعات العمل والمكافآت وظروف وإمكانات العمل المادية.
{ الحوافز المعنوية
وهي الاعتراف بأهمية الفرد وسبل التشجيع على العمل والعلاقات الجديدة بين الموظفين والمسؤولين والشعور بالرضا الوظيفي.
{ علاوات بداية كل عام
وتتمثل في الزيادة السنوية للعمال أو الموظفين وهي تحدد من خلال قانون العمل الذي يطبق على جميع العاملين بالدولة أو القطاع الخاص، ويكون لها حد أقصى وحد أدنى.
{ مكافأة نوعية العمل
وهي رتبة في الدرجة تمنح اعترافاً بالأداء ذي النوعية العالية الذي يتجاوز الأداء المقرر للوظيفة من حيث نوعية وكمية العمل والمعرفة الفنية. وتمنح بالإضافة إلى الزيادة السنوية، ويجب أن يقضي الموظف داخل المؤسسة 12 شهراً منذ بداية عمله، وهي الفترة المطلوبة لاستحقاق هذه المكافأة، بجانب التميز في العمل.
{ الاشتراك في الأرباح
وهو نوع من حوافز العمل المتمثلة غالباً في القطاع الخاص من خلال توزيع جزء من أرباح العمل السنوية على العاملين بالمؤسسة على أن تكون هذه الأرباح موزعة بالعدل على جميع العاملين بالمؤسسة، وهي طريقة بدورها تؤدي إلى اهتمام العامل بدوره وعمله وتزيد من ارتباط العامل بالمؤسسة.
{ مكافأة العمل الخاص
وهي مبلغ نقدي، وتمنح لموظف واحد أو لمجموعة من الموظفين تقديراً للعمل الخاص، أو الخدمة الخاصة غير الاعتيادية، أو الإنجاز التخصصي سواء أكان مرتبطاً بالعمل، أو غير مرتبط به.
{ مكافأة الموظف العام
وهي مبلغ نقدي، أو جائزة عينية، أو كلاهما تمنح لموظف واحد من الموظفين في المنشأة في كل عام لتميزه وإبداعه في العمل ولإسهاماته البارزة بالعمل، على أن يكون مستوفياً لمعايير استحقاق مكافآت الانضباط الوظيفي.
{ مكافأة الاقتراحات
وهي مبلغ نقدي يمنح لموظف واحد، أو مجموعة من الموظفين مكافأة على الاقتراح المقدم، بحيث يهدف هذا الاقتراح الذي يتقدم به الموظف إلى التطوير في مجال العمل مما يؤدي إلى توفير وخفض التكاليف وتحسين إجراءات وظروف العمل بالمؤسسة.
{ مكافأة الانضباط
وهي مبلغ نقدي يمنح لمجموعة من الموظفين في السنة بمعدل حصة واحدة لكل قطاع ومن شروطها الحضور المبكر إلى العمل وعدم التأخير، والوجود في العمل وعدم الانصراف خلال الدوام، وعدم التغيب عن العمل إلا في الإجازات السنوية.
{ مكافأة نهاية الخدمة
وهي مكافأة تقديرية، أو عينية تمنح للموظف الخاضع لقانون سن التقاعد عند انتهاء خدمته بسبب وصوله إلى سن التقاعد، أو لأسباب صحية، أو الوفاة، وتختلف نسبة هذه المكافأة من مؤسسة لأخرى.
{ الحوافز المعنوية
تعدّ الحوافز المعنوية إحدى الركائز ذات الأهمية القصوى في منظومة الحوافز التي تضعها المؤسسة وبدونها لا يمكن أن تكتمل صورة الحوافز التي تشجع على العمل وتزيد من الأداء داخل المؤسسة، وذلك لأن الإنسان اجتماعي بفطرته وبطبعه ولا يمكن أن يعيش بعيداً عن احترام وتقدير الآخرين له.
كما أن الموظف له العديد من المطالب غير المادية وهذه المطالب تختلف من شخص لآخر، لكن يمكن حصر هذه المطالب أو الحاجات في الحاجة إلى الأمن والانتماء والمكانة الاجتماعية والعلاقات الطيبة برؤسائه وزملائه أيضاً في حاجتهم إلى الاحترام سواء أكان هذا الاحترام لنفسه أو احترام الآخرين له، وذلك حتى يتكون لديه الإحساس بالثقة والمقدرة والكفاءة.. وعلى النقيض فإن نقص هذه الحاجات قد يولد فيه الإحساس بالضعف والعجز والإحباط.
وبرهنت كثير من الدراسات والتجارب التي أخذها المسؤولون في مواقع العمل والإنتاج المختلفة على أن هناك حوافز غير الحوافز المادية التي لها تأثير كبير على حفز الموظف أو تزيد من ارتباطه بالعمل وهي تتمثل في الحوافز المعنوية كالمدح والتشجيع ووضع أسماء المجدين في لوحات الشرف والشهادات التقديرية.
{ فقدان المصداقية
يشكل الحافز أحد مقومات العمل المؤسسي لتحقيق كامل أهدافه؛ بجانب توافر الإمكانيات المادية وخبرات العاملين، فالحافز هو الطريقة التي من خلالها تعبر المؤسسة للموظف عن مدى تقديرها لأدائه المتميز وعمله المتقن.
ولا يمكن للحافز أن يحقق أهدافه بالمؤسسة إلا من خلال وجود آلية عمل ونظام محدد لإدارته بالشكل الأمثل مع توافر المصداقية في تطبيق نظام الحافز داخل المؤسسة، وأن يتم تقنينه ليتم منحه لأصحاب التميز في العمل.
وقال رئيس نقابة عمال الصحة “أحمد البشير” لـ(المجهر) إن الموظف في تقدمه ضمن عمله، ولمواصلة العطاء وزيادة مستواه ورفع كفاءة إنتاجه كماً ونوعاً بجانب التدريب واكتساب الخبرة، يحتاج إلى حوافز العمل التي تتمثل في الكسب المادي، أو في الكسب المعنوي الذي يتمثل في التقدير، أو كلاهما معاً بهدف حفز الموظف ودفعه لزيادة إنتاجه كماً ونوعاً لإشباع حاجاته.. فالوضع المعيشي يحتاج إلى تحسين الحافز بقدر أكبر مما عليه الآن حتى يكون هناك رضا وظيفي ليستطيع الموظف تقديم خدمة ذات جودة عالية. كما أن الحوافز يجب أن تركز على مكافأة العاملين عن تميزهم في الأداء، والأداء الذي يستحق الحافز هو الأداء غير العادي، أو ربما وفقاً لمعايير أخرى تشير إلى استحقاق الموظفين إلى تعويض إضافي يزيد عن الأجر نتيجة لأدائهم المتميز. وأبان “البشير” أن مقدار الحافز يكون وفقاً لطبيعة عمل الموظف ودرجته الوظيفية.
{ الشعور بالعدالة
وقال ضابط شؤون الموظفين السابق ببنك أم درمان الوطني “عبد الحميد حامد” إنه لا تخلو مؤسسة أو منظمة من وجود نظام أو برنامج محدد ومدروس للحوافز، وذلك ليساعد الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم للعمل مما ينعكس بشكل إيجابي على تفعيل دور المنظمة داخل المجتمع، وبالتالي تكون قادرة على تحقيق أهدافها.
وتسعى إدارات شؤون الموظفين وبشتى الوسائل إلى إيجاد سياسات فعالة في مجال شؤون الأفراد، الغرض منها رفع الكفاءة الإنتاجية للموظفين وتحفيزهم على العمل وترغيبهم فيه. وتعد الترقية دعامة أساسية من دعائم سياسات شؤون الموظفين، وذلك لما لها من آثار إيجابية على الموظفين والمؤسسة.. فهي من أهم الحوافز التي تبعث في الموظفين روح المنافسة الشريفة في العمل والبذل والعطاء، لأنها تحقق لهم حاجتهم وتشبع رغباتهم، وتزرع فيهم حب العمل والرغبة في إنجازه، كما أنه يمكن من خلالها انتقاء أفضل الأفراد للقيام بالعمل بالدرجات الوظيفية الأعلى، ومن ثم خلق جميع الظروف الممكنة للعمل على تقليل نفقة أو تكاليف العمل وتحسين نوعيته. ومن هنا فإن تلك الإدارات تحرص على تطوير نظام للترقيات يقوم على أسس وأساليب سليمة ودقيقة، ليس فقط من الناحية الفنية، لكن أيضاً من ناحية تحقيقها الرضا الوظيفي لأفراد القوى العاملة وتحقيق شعورهم بعدالة النظام الذي يحكم العمل. وإذا كان استناد الحافز إلى أسس سليمة وقواعد موضوعية يعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى إشاعة الشعور بالعدالة بين الموظفين ورفع الروح المعنوية فيهم، وإلى تقريب المؤسسة من تحقيق أهدافها، وإضافة إلى أن الترقية تعد من بين أهم الأمور
التي تهم الموظفين وحياتهم الوظيفية، فإن هناك قضية أخرى ملازمة لها ولا تقل عنها أهمية، وهي قضية الأسلوب الذي يتبع في الحافز. وأياً كان نظام الحافز الذي تتبعه الوحدة الإدارية، فإنه يجب أن يستند إلى أساس سليم، ليس فقط من الناحية الفنية لكن كذلك من ناحية تحقيقه لرضا الموظفين وشعورهم بعدالة النظام وموضوعيته، وعدم التأثر في تطبيقه بأي ميول شخصية تعكس محاباة أو تمييزاً غير منطقي وغير عادل.
{ ما بين الحافز والأداء
قال الخبير الاقتصادي الدكتور “عثمان البدري” إنه من الناحية الاقتصادية كانت هناك نظريتان رئيسيتان سائدتان بالنسبة إلى زيادة الحوافز في المؤسسات الصناعية والشركات، والقطاع العام.. الأولى تمثلت في بداية الثورة الصناعية بأوروبا حيث رأى أصحاب هذا الفكر أن العامل (كسلان بطبعه)، وبناء على ذلك فإن ما يبذله من طاقة وجهد يرتبط ارتباطاً سلبياً مع مستوى الأجر، أي أنه في نهاية الأمر كلما ارتفع الأجر قل الحافز على العمل وبالعكس.. وقد بنوا رأيهم هذا على أساس أن العلاقة بين الأجر والجهد المبذول تكون موجبة، أي كلما زاد الأجر زاد الجهد حتى يصل العامل بالإنتاج إلى حد معين يرى العامل أنه بعد هذا الحد لا تكون هناك منفعة في الداخل تعادل ما يبذله من جهد في ساعات إضافية أخرى، والمقصود بذلك أنه بعد هذا الحد تصبح العلاقة بين الأجر والجهد الذي بذله العامل علاقة سلبية، بمعنى أن ارتفاع الأجر بعد هذا الحد يصبح زيادة في تفضيل العامل لوقت الفراغ على الجهد المبذول.
أصحاب النظرية الثانية ينظرون للعامل على أساس أنه مخلوق اقتصادي، وحدود العلاقة بين الأجر والجهد المبذول في شكل علاقة موجبة مستقيمة، أي كلما زاد الأجر زاد الجهد المبذول. وكان على رأس المؤيدين لذلك الفكر “آدم سميث” وفي ذلك يقول: «إن الأجر تشجيع للحفز على العمل وكلما زاد الأجر زاد التشجيع والحفز للعمل»، ومن الواضح أن كلا وجهتي النظر قد ركزت على الحوافز المادية وأهملت الحوافز المعنوية.
{ الإسلام والحافز
وأشار أستاذ أصول الدين بجامعة أم درمان الإسلامية الدكتور
“خليفة محمد موسى” إلى أن الإسلام اهتم بقضية الحوافز على الأفعال سواء في الدنيا أو في الآخرة؛ فالحوافز المشجعة للأداء المتميز تحقق حاجات في الكيان البشري عميقة الأثر، وتشعره بأنه إنسان له مكانته وأنه مقدر في عمله، فالإسلام اهتم بالعمل وأوضح أهميته بالنسبة للإنسان وقدر العمل كالعبادة، فهناك الكثير من الدلائل القرآنية التي تحث على العمل وأهميته، وكذلك التحفيز على العمل وجزائه عند الله سبحانه وتعالى، ومنها قوله تبارك وتعالى في سورة (النجم) الآيات (39، 40، 41): (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى). وأيضاً قوله سبحانه وتعالى في سورة (الزمر) الآية (9): (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ). وقوله تعالى في سورة (الرحمن) الآية (60): (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).
نجد أن كل تلك الآيات تحث على أهمية العمل والأجر والثواب، أو الجزاء المنتظر من هذا العمل، ويعدّ هذا تشجيعاً للقيام بالعمل، لكن بأداء متميز وكلاً حسب أدائه وتميزه في عمله. كما نجد أن كل إنسان في المجتمع الإسلامي مطالب أن يعمل، ومأمور بأن يمشي في مناكب الأرض ويأكل من رزق الله كما قال تعالى في سورة (الملك) آية (15): (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).. والمراد بالعمل هو المجهود الواعي الذي يقوم به الإنسان وحده، أو مع غيره لأداء عمل ما أو القيام بخدمة.
ولقد اتضحت سنّة الله في الخلق بأن الأرزاق التي ضمنها والأقوات التي قدرها والمعايش التي يسرها لا تنال إلا بجهد يبذل وعمل يؤدى، وبالتالي نجد أن الإسلام رفع من شأن العمل والتحفيز عليه وأعلى منزلته وبوأه مكانة عالية من الإجلال والتعظيم حتى جعله كالعبادة، فالإسلام لا يعدّ الانقطاع للعبادة دليل الإيمان فقط، لأن في هذا تعطيلاً للدنيا التي أمر الله سبحانه وتعالى بالسعي فيها وحفز الخلق على ذلك بجزائه لهم كل حسب سعيه وعمله في الدنيا.
ويبقى السؤال.. هل أصبح الحافز مكافأة أداء أم ولاء؟؟