ما بين يونيو السودان ويونيو مصر!!
بالأمس أدى الدكتور “محمد مرسي” اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية، كأول رئيس مصري منتخب بعد أكثر من ستين عاماً من حكم العسكر. ويجيء أداء “مرسي” للقسم في الثلاثين من يونيو 2012م، وهو نفس التاريخ الذي تربع فيه العميد آنذاك “عمر البشير” على سدة الحكم رئيساً لجمهورية السودان، ولكن الفرق بين الاثنين أن الدكتور “مرسي” قضى على النظام العسكري بعد ثورة الخامس والعشرين من مايو، وجاء “البشير” بانقلاب على الحكم الديمقراطي، فيما يشترك “مرسي” و”البشير” في التوجه الإسلامي، وكل منهما كان يسعى إلى نظام الحكم بشتى الطرق بالديمقراطية أو بالبندقية.
إن حركة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن المنصرم، كانت ترتب نفسها لحكم مصر؛ ولذلك واجهت أصنافاً من العذاب والقسوة من الأنظمة التي تعاقبت على حكم. وجرت تصفية لقياداتها الشيخ “حسن البنا” و”سيد قطب”، وقيادات وسيطة، وغيرها من القيادات الأخرى. فكل أصناف العذاب داخل السجون المصرية لم تثن القاعدة والقيادة من الاستمرار في التوجه من أجل استلام زمام الحكم، ولكن حينما بدأت عمليات التغيير قبل الخامس والعشرين من يناير، وهي الفترة التي بدأ فيها الشباب التفكير لإزالة النظام المصري، ولكن حتى الآن لم يعرف الناس ما هو دور الحركة الإسلامية المصرية أو حركة الإخوان المسلمين في ذلك التغيير، فهل كان لهم دور رئيس، ولكن اخفوا في ذلك؛ خوفاً أن ينعكس ذلك سلباً على الثورة، لذا آثروا الصمت وابتعدوا عن المواجهة السياسية على الرغم من أن الدين تغلغل في نفوس الشعب المصري والجماعات الإسلامية مسيطرة على الاتحادات الطلابية، بالإضافة إلى الخدمات التي تقدمها تلك الجماعات للمواطنين بالمراكز الصحية والمستشفيات وخدمات غير منظورة للجميع. فهذا جعلها في حالة نشاط دائم وسط الشعب؛ لذا فإن حركة الإخوان المسلمين كان حظها أوفر من أي تنظيم آخر للفوز بالانتخابات، حتى ولو لم يخض تلك الانتخابات الدكتور “محمد مرسي”.
وإذا عدنا إلى تنظيم حركة الأخوان المسلمين في السودان، نجدها نفس الحركة التي امتدت من مصر، وظلت تعمل منذ أربعينيات القرن الماضي من أجل استلام زمام السلطة في السودان، ولكن قياداتها لم تتعرض للعذاب والقسوة التي تعرضت لها قيادات حركة الأخوان المسلمين بمصر، ولم تصدر كتباً توضح طرق التعذيب التي مورست ضدها من تلك الأنظمة، أما إذا نظرنا إلى الرئيس “عمر البشير” وهو أشبه بالدكتور “محمد مرسي”. فالشخص الذي اختير ليكون رئيساً للسودان من جانب الجبهة الإسلامية القومية، كان الطيار “مختار محمدين”، فكان هو الشخص المقترح لتولي رئاسة السلطة، وكذلك الدكتور “مرسي” لم تقدمه حركة الإخوان المسلمين في مصر لخوض الانتخابات. فالشخص الذي قُدِّم أُعترض عليه.
المشير “عمر البشير”، وحسب حديث لوالدته بعد الثورة بفترة، ذكرت أن ابنها العميد “عمر البشير” كان يسكن في منزل متواضع به غرفتان، هو وزوجته يعيشون في غرفة واحدة، أما الدكتور “محمد مرسي” فذكرت زوجه أنهم يسكنون في شقة متواضعة وبالإيجار.. إذاً، حركتا الإخوان والمسلمين في السودان ومصر شبيهتان ببعض في كل شيء، ولكن هل نتوقع بعد أن اعتلى الدكتور “مرسي” رئاسة حكم مصر أن يختلف أم يظل هو “مرسي” البسيط المتواضع أم أنه سيستجيب للحواريين، كالحواريين الذين آثروا على الرئيس “عمر البشير” الذي يشبه “مرسي” في كل شيء، فـ”مرسي” خلع بدلته، وقال للشعب انظروا إنني لم ألبس سترة واقية، والسترة التي كان يرتديها السادات، وعندما لم يرتدها، لقي حتفه برصاص “الاسلامبولي”. فحاول “مرسي” أن يقول للشعب (أنا ابنكم ولا أخشاكم) كما يفعل “البشير” في كل اللقاءات الجماهيرية، فيطرب للحماس عقب خطاباته بدون سترة أو ساتر.
إن الحواريين هم الذين يفسدون الحكام، وأن أصحاب الهوى والغرض هم الذين يجعلون من الحاكم إلهاً، ولكن ينبغي على الحكام أن يميزوا بين المصلحين والمفسدين.
ذكر لي أحد الأصدقاء أن البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” عندما عُيّن وزيراً، أول مرة، ذهب واحد من أولئك الجماعة إلى البقالة، فأخذ أكثر من علبة لبن نيدو كبيرة وسكر وشاي وأشياء كثيرة، فدخل بها على البروفيسور “إبراهيم”، فعندما رآه، سأله: من الذي قال لك اشتري هذه لم يستطع الإجابة، فطلب منه البروف “إبراهيم” إعادتها إلى الدكان، فلو كل المسؤولين يشبهون البروفيسور “إبراهيم” لما تم الاعتداء على المال العام، ولما وصلنا إلى هذا الحال الذي نحن عليه، فهل يفعلها “مرسي”؟!.