من وحي الأخبار

المرأة السودانية ..البهية

يقيني الراسخ أن مكانة المرأة في حياة الرجال ومكونات الأسر لا تعدلها مكانة كائن آخر ؛ المرأة تتجلي حينما تكون زوجة وتتوهج حين تكون أماً ؛ كل الأمهات رائعات بغض النظر عن وطنها، لكنها حين تكون سودانية فالحال غير، لذا أشعر بتعاطف عريض مع من يفقد أمه لأنه يكون حينها فقد فقداً جللاً لا يعوض وإن غاص في أحزانه وقام عليها.

مناسبة حديثي ودليلي عليه مثال صديقي “سالم” الذي زرته مساء الأربعاء والذي توفيت زوجته قبل أشهر؛ هو رجل سليم الدواخل ناصع التفاصيل ؛ رغم خلفيته القروية فقد حاز قلب امرأة من مكون أوساط المدن ارتبطاً بعد تجربة لها مخاض عبراها بكثير من ذاك اليقين الذي ترسمه أطياف خيالات  العاشقين فيصدق الأغلبية وينهار البعض في منتصف الطريق وربما عند ناصية الملتقى ؛ تزوجا ونمت الحياة بينهما وازدهرت بطفلين

اختبر الله “سالم” بموت خاطف لزوجته (مت) أنا البعيد له فما بالك برفيق دربها لكنه تحلي بيقين راكز المقام ؛ فهو خليط من صوفية ناعمة وسلفية مرشدة وشيوعية شاركت البعدين فأنتجت حالة اسمها (زول سمح) ؛ زرته بعد انقطاع إذ ابتعدت عنه لقناعة في داخلي مفادها أن بعض الأحزان علاجها في تجنب نبش ذاكرة الحزين بتفاصيل اشتراكك معه في من فقد.

دخلت منزله وقد ظننت أن طفليه قد انتقلا لجدهما من ناحيته أو ناحية الراحلة لكنه لم يفعل مثلما علمت ؛ بدأ المنزل مشمولاً برعاية رجل مما أخل بنسق التنظيم النسائي الدقيق، بدأ لي صديقي منهكاً شحيح قطرات الحياة ؛ كان طفلاه ينامان في سرير بجانب الغرفة ؛ رمقهما بنظرة طاعمة الأثر ثم قال ودمع يلاطف بعض حواف عينيه ؛ يومياً مع الصباح وحين أعدهما للمدارس أشعر برغبة في النواح ؛ قال لي أصحو على ملامسة الطفلين على وجهي يوقظاني ؛ أقضي لهما واجبات الرعاية من غسل واغتسال ؛ أدخل المطبخ فأعد سندوتشات أهدر بعضها، لأن الطفل الصغير لا يحب طعاماً والأصغر يكره صنفاً آخر ؛ بعد محاولات أصيب بعض الرضا لتبدأ مرحلة اللبس .

يقول محدثي اكتشفت إني لا أجيد اختيارات الأحذية وتهذيب تفاصيل صغيرة من مسحة زيت أو ترتيب شعر، ومضى يقول حتى مراجعات الدروس بدت لي شاقة، وأما المصاب الجلل فيكون عند العشيات حينما نتجمع أتلاطف معهم، قال لي هذا التوقيت أحس بروح أمهم تنفخ الهواء في لبن الصغيرين ؛ أكاد أمسك شبحاً أظنه هو ؛ قلت له تجلد يا “سالم” قال لي ويحك أنا أتعلم الجلّد من هذين الصغيرين لأنهما في كل حين يكادا أن يهتفا نريد أمنا، لكنهما يتجاسران على واقع حالنا ويهدياني ابتسامة مشجعة أنت لست مثل أمنا ولكنا لك من الشاكرين.

خرجت من عنده لأنه كان يهم بكي قمصان المدرسة وطلب عوني فقلت لا أعرف يا “سالم” لا أعرف.. يا الهي لقد أفسدت مسائي، وهكذا عزيزي الزوج تحسس نعمتك وأكرم رفيقة حياتك وحفظ الله الجميع وأجرى الخير على يد العائلات والأسر ؛ ودمتي أيتها الأم حية وميتة تاجاً فوق رأس الحياة والزمان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية