المشهد السياسي
شيخ “علي” الذي ترك السياسة..!!
موسى يعقوب
بعد سياسة التجديد في السياسة وإدارة الدولة والحزب والحركة التي جرى العمل بها مؤخراً وعلى مستوى واسع، كان الأستاذ “علي عثمان محمد طه” كغيره قد ترجل من مواقعه المختلفة ليعلن كما جاء في الصحف هذا الأسبوع أنه سيترك العمل بالسياسة ويتفرغ للعمل الإنساني، والشيخ “علي” على كل حال خبرة – حفظه الله – ومستودع قدرات وإمكانات كما تقول سيرته الذاتية.
وعوداً إلى الذاكرة نقول إن شيخ “علي” وهو طالب بالخرطوم الثانوية كان رئيساً لاتحاد الطلاب شأنه وهو في جامعة الخرطوم كرئيس لاتحاد الطلاب أيضاً في مراحل سياسية دفع ثمنها ليصبح – فيما بعد برلمانياً وتشريعياً منتخباً من أكثر من دائرة في الخرطوم شرقها وغربها وجنوبها. وخبرته التشريعية في الحقبة المايوية بعد المصالحة وفي الديمقراطية الثالثة بعد ذلك لا يساوم عليها، حيث كان رئيس لجنة تشريع وزعيم معارضة، عرف بزياراته وطوافاته المختلفة على القوات المسلحة المواجهة للتمرد وهو مصحوباً بالمعينات والفرق الفنية الأمر الذي لم يتسن لغيره من المسؤولين يومئذ – أي في الديمقراطية الثالثة.
وبعد التغيير الإنقاذي في 30 يونيو 1989م، كان ممسكاً بكل الملفات الصعبة تقريباً وفي صمت. وقد كان أشهرها ملف استقرار النظام الحاكم وملف السلام والحوار مع الحركة الشعبية وأشهرها كان ملف المفاوضات في (نيفاشا) الذي جعل الحركة بقيادة زعيمها “جون قرنق” تنتقل من السلاح إلى السياسة لثقة “قرنق” في محاوره الذي كان يدعوه بـشيخ “علي..!” صاحب الخبرة والقدرة في ذلك وإعلاء الهدف على المصالح، إذ كان موقع النائب الأول لرئيس الجمهورية في الدولة من نصيب القائد “قرنق”..!
لكن، ومع ذلك، فإن اتفاق السلام الشامل الـCPA Comprehensive Peace Agreement الذي تأثر بغياب القائد “قرنق”، قد انعكس سلباً على الوحدة الوطنية مما أدى إلى الانقسام بين الجنوب والشمال في عام 2011م.
لقد كان اتفاق السلام في (نيفاشا) بكل ما أحاط به من أجواء معينة عليه وجولات تفاوض محل احتفاء سوداني وأفريقي وعالمي عند التوقيع عليه في العاصمة الكينية وسط حضور إعلامي وسياسي كبيرين، فقد بذل فيه الشيخ “علي عثمان” كل الجهد والخبرة ليرى النور وينهي حرباً طالت واستطالها الناس.
إن حضور السيد النائب الأول السابق في السياسة والإدارة والتشريع والعلاقات الخارجية والأمن والدفاع والقضاء الذي كان مهنة الرجل وآليته في الوصول إلى ما عرف عنه في ما بعد كثير وليس بحاجة إلى تفصيل وإفاضة.. ولكن نضيف إليه أنه (واصل) اجتماعياً وثقافياً وإنسانياً وله قدراته وإسهاماته في تلك المجالات. فوجوده في قيادة الحركة الإسلامية وانفتاح داره وقلبه ومكتبه إلى ذلك كله، علاوة على علمه وخبرته يجعلان البدائل في نشاطه كثيرة ومتعددة ولها ما يجعل منها نجاحاً وتوفيقاً.
فالسياسة والمواقع العليا ليست كل شيء في حراك مولانا شيخ “علي عثمان” الذي له كل ما يؤهله للعمل والنجاح..
وبقى أمر في غاية الأهمية في هذا الشأن وهو ترك شيخ “علي” السياسة والاتجاه إلى العمل الإنساني، هذا بتقديرنا ليس تعبيراً عن اتخاذ موقف سياسي أو لأسباب شخصية كما قد يفهم البعض ذلك أو يفسره في زمننا هذا الذي يعج بمثل تلك القراءات والتأويلات..!
ذلك أن العقلاء وأهل الفكر والتجارب عندما يحين وقت التنازل أو الحراك لأسباب فنية أو عملية أو خلافها، ينصرفون إلى أعمال وأنشطة أخرى ومكملة لأدوارهم السابقة. وأذكر هنا على سبيل المثال الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” الذي عندما انتهت دورته الرئاسية وبعد خبرة طويلة في العلاقات الخارجية والإنسانية أسس وأطلق ما عرف بـ(مركز كارتر) للقيام بدور أقرب إلى ما كان يقوم به وربما أوسع وأكثر حرية.
تأسيساً على هذا ويقيناً فإن جعل شيخ “علي” العمل الإنساني والطوعي بديلاً للعمل السياسي يعطي الرجل فرصة كاملة في الإفادة من خبرته وقدراته واتصالاته وعلاقاته في حيز جديد بالنسبة له ويشبع رغبته في العمل الطوعي وغير السياسي مدفوع الأجر والقيمة.
شيخ “علي” رجل مجدد وعليه نرجو أن يكون في مبادرته أو مبادراته القادمة حافزاً لمن شاخوا وما انفكوا يطاردون السياسة ويجرون خلفها.. والله المستعان.