الصحة مقابل التفتيح.. بئس الثمن.. وبئست السلعة!!
جاء في التقرير الذي أعدته الإعلامية “تسابيح مبارك” لقناة (إم بي سي) أن نساء السودان معرضات لمرض السرطان بسبب استخدامهن لكريمات تفتيح البشرة التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة، والتي منع دخولها رسمياً من قِبل وزارة الصحة، وتدخل إلى الأسواق بواسطة المهربين. كان هذا هو فحوى التقرير ومفاده.
انتشرت في السودان في السنوات الأخيرة ثقافة دخيلة على مجتمعنا وعلى عاداتنا وتقاليدنا، ألا وهي ثقافة تفتيح أو تبييض البشرة.. ثقافة لا تشبهنا ولا تناسبنا. في بلد يعاني من التضخم، ويعاني معظم مواطنيه من الفقر، يدل على ذلك متوسط دخل الفرد، إذ أثبتت دراسات اقتصادية أن غالبية المواطنين في السودان يعيشون تحت خط الفقر. في بلد لا يكاد دخل الفرد لغالبية المواطنين يفي ويكفي لشراء السلع الضرورية والاحتياجات الأساسية، تتجه نساؤه لإنفاق ذلك الدخل الضئيل على سلع كمالية مثل كريمات التبييض!! وليت المصيبة توقفت عند هذا الحد.. بل يتم إنفاق باقي ذلك الدخل الضئيل على علاج الآثار السالبة الناجمة عن استخدام تلك الكريمات الضارة، مثل الأمراض الجلدية ومرض السرطان. لو لم يكن لكريمات التفتيح الفاسدة سوء سوى ذلك اللون المشوّه، لكفتْها سوء ومفسدة، ناهيك عن أنها تسبب تلك الأمراض التي ذكرنا. وليت ذلك العلاج يجدي فتيلاً..لأن مستخدمات تلك الكريمات يدفعن، في نهاية المطاف، صحّتهن ثمناً لتفتيح البشرة.. فبئس الثمن هو، الذي يدفع مقابل سلعة مفسدة للصحة، لأن الصحة تُشترَى ولا تُباع، وبئست السلعة التي يكون ثمنها أغلى ما يملك الإنسان، ألا وهي الصحة، فينطبق عليهن قول الشاعر: تروح إلى العطار تبغي شبابها.. وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
أتألم لحدِّ البكاء عندما أرى شابة، لون يديها أسود أو أسمر، ولون وجهها أبيض.. وليتها كانت بيضاء من غير سوء.. إذن لكانت المصيبة أهون وأخف وطأة.. لكن المصيبة هي أن ذلك البياض يشوبه سوء.. بياض كما (الفشفاش) في لونه.. في نهاية المطاف لا هي نالت (بلح الشام ولا عنب اليمن)، أو يمكن الاستشهاد بأصدق مثل يعبّر عن هذا الواقع المرير بصورة دقيقة، حرفاً ومعنى، ألا وهو المثل المصري الذي يقول: (لا طلت أبيض.. ولا أسود). نعم.. لاهن نلن اللون الأبيض الذي نشدْنه، ودفعن مقابله المال والصحة، ولا هن احتفظن بلونهن الأسود أو الأسمر الطبيعي السليم غير المشوّه.. فأذكر قول الشاعر: رامَ نفعاً فضرّ من غير قصد.. ومن البرِّ ما يكون عقوقا، أو كما يقول الحديث الشريف:(فإن المنبتّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى). سمعت أن في إحدى المستشفيات في الخرطوم، في قسم الجلدية والتناسلية، هناك قسم خاص بالنساء اللاتي يعانين من أمراض جلدية تسببها هذه الكريمات الفاسدة، فنسأل الله أن يشفيهن وأن يخفف ويرفع عنهن هذه المعاناة.
سؤال أوجهه لكل فتاة، وللأسف لكل امرأة، لأن هناك نساء شارفن على الخمسين والستين من أعمارهن، وما زلن يستخدمن هذه الكريمات: ما هو عيب وعار اللون الأسود، حتى تدفعن الصحة كاملةً ثمناً باهظاً للتخلص منه، وإحلال وإبدال اللون الأبيض محله؟ هل سمعتنّ بامرأة اسمها أوبرا وينفري؟ هذه المرأة هي إعلامية أمريكية، مقدمة برنامج من أشهر البرامج في أمريكا، وربما على مستوى العالم، تمتلك ثروة تقدر بمليارات الدولارات، وأخيراً هي سوداء اللون. كل هذه المعطيات عن شخصيتها(أمريكية – أي أنها تعيش في أمريكا، بلد العلم والطب ومستحضرات التجميل الجيدة والمضمونة- وإعلامية مشهورة، وثرية ثراء فاحشاً، وسوداء اللون) كلها كانت معطيات كفيلة بأن تؤجج في دواخلها رغبة مُلحّة ومشروعة في تغيير لونها إلى اللون الأبيض.. لكن المدهش أنها لم تفعل.. لأن الجمال في حقيقته هو مسألة نسبية.. ربما كان بالنسبة لها ومن وجهة نظرها أن الجمال ليس له علاقة باللون، وربما تحديداً لا يكمن في اللون الأبيض.. لذلك احتفظت بلونها الأسود بكل فخر واعتزاز..فمن أنتم (كما قال القذافي).. من أنتنّ يا أخواتي أمام “أوبرا” الإعلامية المشهورة المليارديرة، حتى تبيضن وجوهكن بكريمات فاسدة..(يعني لا إعلاميات لا مقرشات.. المبيضين ليها شنو؟!)
أحبذ أن تستخدم بنت بلدي السودانية عموماً، وزوجتي وأخواتي تحديداً، الكريمات المرطبة المزيلة للجفاف والتشقق، لأنها مفيدة ومغذية للجسم وخالية من الآثار الجانبية. أما إذا أردت يا أختاه أفضل وصفة لجمال الوجه، فهي الوصفة التي وصفها الشاعر “علي الجارم” لابنته، بقوله: زِينَة الوَجْه أَن تَرَى العَيْنُ فيه شَرَفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا. وأما إذا أردت وصفة جمال كاملة، للوجه وللجسم والأخلاق، فهي القصيدة الكاملة للشاعر المذكور، والتي يقول فيها: يابْنَتِي إِنْ أردْتِ آية حُسْنٍ وجَمالاً يَزِينُ جِسْماً وعَقْلاَ/ فانْبِذِي عادة التَّبرجِ نَبْذاً فجمالُ النُّفوسِ أسْمَى وأعْلَى/ يَصْنَع الصّانِعُون وَرْداً ولَكِنْ وَرْدَة الرَّوضِ لا تُضَارَعُ شَكْلا/ صِبْغَة اللّهِ صِبْغَة تُبْهَر النَّفْسَ تعالى الإلَهُ عَزّ وجَلاّ/ثمَّ كُوني كالشَّمس تَسْطَع للِنَّاسِ سَواءً مَنْ عَزّ مِنْهُم وَذلاّ/ فامْنَحِي المُثرِيَات لِيناً ولُطْفاً وامْنَحِي البائساتِ بِراً وفَضْلا/ زِينَة الوَجْه أَن تَرَى العَيْنُ فيه شَرَفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا/ واجعَلِي شِيمة الْحَيَاءِ خِماراً فَهْوَ بِالْغَادة الكَريمة أَوْلَى/ ليس لِلْبِنْت في السَّعادة حَظٌّ إِن تَنَاءَى الحياءُ عَنْها ووَلَّى/ والْبَسِي مِنْ عَفَاف نَفْسِكِ ثوْباً كلُّ ثوبٍ سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى/ وإِذا ما رأَيْتِ بُؤْساً فَجُودِي بدُموع الإِحْسَان يَهْطِلْن هَطْلا/ فدُمُوع الإِحسان أَنْضَر في الْخدّ وأَبْهى من الّلآلِئ وأَغْلَى/ وانظُرِي في الضَّمير إن شِئْتِ مرآة ففيه تبدُو النفوسُ وتُجْلَى/ذاكِ نُصْحِي إِلى فتَاتِي وسُؤْلي.. وابْنَتي لا ترُدّ للأَب سُؤْلا.
أنور عبد المتعال