حجب الثقة!!
مبادرة الحوار الوطني التي انطلقت منذ ثلاث أسابيع في المسار السياسي بين الفرقاء السودانيين، وبغض النظر عن التقييم الواقعي لأحجام المشاركين وأوزانهم السياسية والتاريخية، فإنه آخر الأمر يبقى مشروعاً ومسلكاً حضارياً من شأنه أن يشعل شمعة على الطريق. وكم تمنيت أن ينحو الفرقاء الرياضيين ذات الطريق.. وصحيح أن ما بينهم لم يصل إلى مرحلة الاحتراب وحمل السلاح ومراراته، لكنهم يصنعون أزمة تتطاول الآن في أضرارها وشكل التوتر الذي صنعته بعد الخلاف الذي نشب بين نادي الهلال وبعض أندية الدوري الممتاز والاتحاد العام لكرة القدم، ولجنة تسمى لجنة الاستئنافات أصدرت قرارات في قضايا وشكاوى رأى المتضررون منها– حسب اعتقادهم– أن ثمة حيفاً لحق بهم منها أو بالأمر شبهة تحيز لنادي المريخ العاصمي المستفيد من تلك القرارات.
لفت نظري في النزاع ورغم أنه قانوني ولائحي بحت أن كل الأطراف فيه خرجت به من ملعب العراك القانوني بالأسانيد والآراء والمستندات إلى دائرة الشخصنة والتهارش اللفظي الحاد غير اللائق مرات كثيرة، ثم تطور الأمر لاتهامات باللصوصية والارتشاء! وكثير صار معه من البدهي أن يتحول الأمر إلى معارك إثبات شخصي لدرجة أن أصل الموضوع ضاع بين الشتائم المتبادلة، رغم أنه كان يمكن ومهما بلغت درجة الظلم إن وقع أو العدالة إن كانت حاضرة أن تتم إدارة الأمر في سياق اختصاصه وتحت بنود ما لك وما لخصمك، وثمة مليون طريقة للتقاضي داخلياً وخارجياً، بل والأهم من هذا أعتقد أن أهل الرياضة وكرة القدم لو أن لهم رأياً في الاتحاد المنظم للعبة فيمكن لهم سحب الثقة أو الدعوة لجمعية عمومية يحاسبون بها قادة الاتحاد الرياضي ويستبدلونهم بآخرين.
الاتحاد العام لكرة القدم ليس معيناً بقرارات وزارية، أي أن وزير الرياضة لم يصدر قرارات بتسمية “معتصم جعفر” وأعوانه، هؤلاء انتخبتهم الاتحادات الولائية بجمعية عمومية لا تملك الدولة فيها سوى الفرجة، وعليه إن كان من اعتراضات لأي سبب القانون يكفل حق نزع الثقة، وإن لم يكن هذا متاحاً فعلى الأقل يمكن انتظار الانتخابات المقبلة لانتخاب اتحاد جديد وتعديل لوائح اللجان الإدارية وما شابه، بل وتعديل القواعد العامة نفسها إذا لزم الأمر، لكن كلاً من هذا لا يتحرك فيه أحد، وانحصرت الكرة في وسط ملعب التهاتر والعنتريات التي لن ترد حقاً، لأنها إن فعلت فستكون سابقة يمكن معها لأي نادٍ كبير أو صغير أن يعترض وأن يفعل ما يشاء، فطالما أن الأمر عضلات وألسنة طويلة وقدرة على استثارة الجماهير، فلا مكان حتماً لاحترام قرار وقانون مهما بلغت درجة الإجحاف فيه.
أقدر تماماً أن هناك أخطاء ومظالم ربما تكون قد لحقت بالبعض، لكن هذا قطعاً يجب ألا يدفع الناس لأخذ حقوقهم بالطريقة التي نراها الآن ولا تليق بأندية كبرى ومحترمة أو بقطاع رياضي أساس نشاطه الدعوة للتسامح والمحبة.. فما نراه الآن نار كراهية تُشعل ويُراق عليها البنزين!