المشهد السياسي
في ذكرى أكتوبر الحادية والخمسين
موسى يعقوب
كلام كثير يقال هذه الأيام في ذكرى ثورة 21 أكتوبر 1964 التي كانت حدثاً سياسياً نخبوياً كبيراً في ذلك التاريخ قاده اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ولحقت به نقابات وزعامات مهنية وسياسية أخرى، رفع لها الفريق “عبود” رئيس الجمهورية والنظام الحاكم الإشارة بالقبول ووقف الدم، مما رفع قدره ومكانته لدى شعبه الذي قال له عند رحيله وقبله في (سوق الخضار+ مول الواحة) الحالي: ضيعناك وضعنا معاك..!
والعبارة إياها كان فيها تلخيص ومضمون كبير جِماعه أن ثورة أكتوبر لم يكن لها عائدها المرجو والمتوقع يومئذٍ ذلك أن الانتقال من حكم “عبود” إلى الجمعية التأسيسية الثانية لم يكن سلساً جراء الصراع على السلطة بين الأحزاب والأسر. فقد كانت لكل حزب أزماته ومشكلاته وصراعاته وخصوماته مع الآخرين ويشار هنا إلى ما كان:
_ بين الإمام “الصادق” وعمه الإمام “الهادي” وبقية البيت المهدوي.
_ وما كان بين الإسلاميين واليساريين وغيرهما..
وهي المشكلات التي أدت في نهاية المطاف إلى انقلاب 25 مايو 1969 بقيادة الرئيس “نميري” وهو الانقلاب الذي حمل بين جنبيه الكثير من المتاعب والصعوبات التي دفع ثمنها الجميع وبخاصة من دعموه..!
ولا يعني ذلك أن أكتوبر لم تكن لها حسنة في عمرها القصير (أكتوبر 1964- مايو 1969)..! فقد فتحت مائدة الحوار المعروف بحوار (المائدة المستديرة) بين القادة الجنوبيين والشماليين الذي كان لمخرجاته التي لم تكتمل إضافاتها لما تلاها من حوارات وتفاهمات أدت إلى وقف الحرب.
وما ينبغي ألا ينسى في خصوص المرارات والخصومات الحزبية التي وصلت بالجميع إلى الخامس والعشرين من مايو 1969.. هو أن حكومة “سر الختم الخليفة” الأولى كان قد استحوذ عليها الشيوعيون بجماعاتهم النقابية المهنية وتركوا لكل حزب سياسي مقعداً واحداً في تلك الوزارة. فلم يكن إلا أن عجل ذلك بقيام حكومة “سر الختم الخليفة” الثانية التي جاءت أكثر توازناً وأعقبتها الانتخابات.
اليوم وبعد مرور(51) عاماً على ثورة أكتوبر 1964 يجد المراقب والمتابع للشأن السياسي أن من يهتمون بذكرى أكتوبر الحالية لا يضعون في البال التجربة وما حقَّ أن يحتفى به فيها أو غيره، وإنما يفكرون في التجربة بحسبانها أداة للتغيير وإطاحة بالحكم.. ليس إلا..!
وهذا بتقديرنا من أوجه القصور الكبيرة فضلاً عن أنه لا يخاطب الوقائع والحقائق على الأرض.
_ فالأحزاب المعنية بالأمر اليوم أكثر تشظياً وتشرذماً من قبل.
_ ومضى على إعلانها وإشهارها إسقاط النظام الحالي أكثر من ربع قرن من الزمان.. أو أكثر.
وما قلنا إنه حسنة أكتوبر الأكبر وهو (حوار المائدة المستديرة) الذي التف والـتأم حوله الجميع يومئذٍ، فإن (الحوار الوطني والمجتمعي) الذي مضى اليوم خطوات، يعارضه ويمانع هؤلاء ويعملون الآن عبر تعبئتهم السياسية في ميدان المدرسة الأهلية بأم درمان ودار حزب الأمة القومي، من أجل إسقاط النظام وتفكيكه كما حدث في ثورة 21 أكتوبر 1964.
ففي مثل هذه الأطروحات في الوقت الحاضر وما يجري على الأرض من متغيرات، يجد أنه ليس ببرنامج عمل سياسي وحزبي يقنع من يسمعه.. فالحوار الوطني والمجتمعي الذي يجري وينتظر منه ومن مخرجاته حل الأزمات الوطنية الراهنة تعلق عليه الأغلبية آمالها وتطلعاتها.. بعد أن التحق بطاولة الحوار ما لا يقل عن تسع وعشرين حركة كانت تحمل السلاح وتدعم الحملات المناوئة للسلطة والوطن.. وبعد أن خطت البلاد خطوات إلى الأمام وهي ترفع من شأن علاقاتها الخارجية والاقتصادية والإنسانية.
فزيارة الرئيس اليوغندي “موسيفيني” إلى البلاد مؤخراً كان لها مغزاها ومعناها في علاقات الجوار والأمن والتجارة ودعم العلاقة مع دولة جنوب السودان التي تسعى جاهدة إلى دعم الاستقرار والأمن فيها، وليس العمل ضد النظام الحاكم في جمهورية السودان كما كان البعض ينتظر منها في السوابق.
وما يذكر في سياق العلاقات الخارجية والاقتصادية، يشار هنا إلى القرار الاقتصادي الأخير برفع الحجز على التحويلات المصرفية بين البنوك الخارجية والسودانية، وفي ذلك دفعة كبيرة للاستثمار والحراك المصرفي.
ويضاف إلى ذلك بالضرورة والنتيجة الخلافات والصراعات حول (المناصب) والمواقع بين رموز الحركات الثورية، وهو ما داولته الصحف والأخبار مؤخراً.
إن الاحتفاء بالذكرى الحادية والخمسين لثورة 21 أكتوبر 1964 يحتاج إلى مراجعة وقراءة موضوعية تعين على الاستقرار وتحسين الأوضاع، كما العمل الآن على طاولة الحوار الوطني لا غير.