من وحي الأخبار

الحوار يكسب

أكتب قبل الجلسة الافتتاحية لأعمال الحوار، وبمناسبة افتتاحية أعتقد أن ثمة إيضاحات لازمة حول هذه المبادرة، وهل ستنعقد وفق ميقات يحتسب بالأيام كجمعية عمومية وهيئة جامعة؟ أم أن الأمر مراحل وتدرجات لجهة أن الموضوعات التي يفترض أن يعالجها الحوار الوطني تبدو أكثر اتساعاً وتمدداً من مجرد حصرها في شكل تداول وعضوية يشبه مفتتح عهد الإنقاذ في الحكم حينما أقامت عدداً من المؤتمرات المتخصصة فتحتها لكل الأطياف والقوى، انتهت إلى توصيات ومخرجات أخذ ببعضها وترك بعض آخر، ولا أرغب في قياسات بالنسب لما أخذ به ولما تم عبوره!
وأقول ونحن بين تدشين المبادرة عملياً بعد طول انتظار فرضته قطعاً أسباب موضوعية كان أساسها الصبر على إشراك أكبر قدر من القوى السياسية الرافضة أو المتمنعة التي فشلت في تسويق مسوغات مقنعة للرأي العام، أذ جنحت لأطروحات فضفاضة تشف ولا تكشف عن قول دقيق لأسباب الرفض، ذلك أن غالب ما تحتج به تلك القوى إنما مكانه غرف الحوار وأجندته واتجاهات النقاش والتوصيات بشأنه وليس الأسافير، وأمام كل المايكروفونات المتراصة للبيان والتبيين بمناسبة وبلا مناسبة، وهي العادة التي أفقدت حتى تلك الأسباب رونقها وقوة حجتها لأنها خلقت- بالتشديد- على كثرة الرد والتداول، وأقول إن الانطلاق هو القرار الأصح الآن والصحيح.
 لم يكن إزاء هذا التعسف من مناص لابتدار المبادرة الخاصة بالحوار الوطني والمضي بها للأمام لأنه لا يمكن ارتهان مصالح شعب السودان فيه من حيث مطلوبات التطور الديمقراطي والسلام والتنمية انتظاراً لإرضاء قوى وجماعات إن لم تجد ما تحتج عليه في ورقة وموقف بحثت فيها عن هفوات النحو وعلامات الترقيم! هذا مع مراعاة أن القوى الحزبية المكونة لعمومية الحوار نفسها أكثر عدداً وأعز نفراً من بعض القوى المحتجة التي لا تتفوق إلا في كونها ذات حلاقيم عريضة حين الهياج.

الآن كما يقول العرب سار الركب والمطلوب من المشاركين تقديم عرض يليق بالثقة والتداول ويخلص إلى مقترحات ذات أثر وتغيير يلمسه الناس، وأعتقد أن التشكيل الحالي يفي بالغرض، لاسيما أن أحداً لم يحجب أو يحظر إلا من قعد به غرضه وتقديره، وقد لفت نظري في أمور التداول حول هذا المنشط السياسي المهم أن من رفضوا المشاركة من تلقاء أنفسهم أكثر حديثاً وثرثرة بالأمر، ومن ثم اهتماماً ممن هم بداخل قاعاته أو يتأهبون لدخولها بعد ساعات وهي مفارقة تبدو طريفة بعض الشيء.
“ياسر عرمان” يرسل الرسائل لـ”البشير” و”الترابي”، والشيوعي يصدر بياناً بعد طول سكون وموات، والحركات المسلحة تؤسس لافتة جديدة اسمها (قوت) تدلق عبر لسانها بياناً مملاً ومتعرج الأسطر، والبعث يتخلى أخيرا عن نضالات الترسيم فوق الجدران ويصدر بياناً.. وكل هؤلاء بسملتهم الحوار الوطني وآخر دعواهم! هذه حالة من الجنون مريعة، فطالما أن الأمر يؤرق مضجعهم لهذا الحد، فلما المكابرة إذ كان أولى لهم الحضور والمشاركة أو بالمقابل المساعدة بالسكات و”الموية” الباردة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية