الحسن. .. هل بدأ التحجيم و تقليم الأظافر؟
مولانا ألغى قراراته وقلص صلاحياته
الخرطوم. عقيل أحمد ناعم
قطعت جهيزة الناطق الرسمي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل “إبراهيم أحمد الميرغني” قول كل خطيب أو نافٍ لصدور قرار من رئيس الحزب “محمد عثمان الميرغني” بإلغاء قرارات نجله التي فصل بموجبها وجمد نشاط عدد من قيادات الحزب التاريخية والشبابية. وتفادياً لحالة الجدل والنفي والإثبات خلال الأيام الماضية اضطر الناطق الرسمي الذي غاب طيلة الفترة الماضية التي شهد فيها الإتحادي حالة من الغليان، اضطر لإصدار بيان نقل خلاله قرارات “الميرغني” التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ضربة قوية لنجله الذي مارس سلطة مطلقة على الحزب منذ خروج والده من البلاد، خولت له إبعاد كل معارضيه وإقصاء كل الرافضين لدخول الإنتخابات ولاستمرار المشاركة في الحكومة.
قرارات باطلة ولهجة حادة
قد لا يكون مفاجئاً صدور قرار من “الميرغني” يلغي به ما أقدم عليه نجله “الحسن” رئيس قطاع التنظيم من فصل قيادات من الوزن الثقيل بجانب عدد من الكوادر الشابة بسبب موقفهم من الانتخابات واستمرار المشاركة الحكومية، باعتبار أن هذه القرارات مثلت أكبر مهدد لتماسك ووحدة الحزب، رغم تأكيد “الحسن” والمقربين منه بأن مولانا “الميرغني” يدعم كل تلك القرارات بما فيها قرار دخول الانتخابات والبقاء في الحكومة، إلا أنه بالمقابل لم يكن أشد المتشائمين من أنصار “الحسن” على وجه الخصوص، يتوقع أن يكون موقف (مولانا) بهذه الحدة من نجله، حدة أنبأت عنها فحوى القرارات التي نقلها بيان الناطق الرسمي، فمولانا لم يحاول إيجاد أي تبرير لقرارات “الحسن” بل فجرها داوية بإبطال قرارات الفصل جملة وتفصيلاً، باعتبارها لم تصدر عنه شخصياً، ولم يكتف بهذا بل أكد أن قرارات “الحسن” لم تصدر عن الجهات المختصة وفق الإجراءات المرعية داخل الإتحادي، ما يعني تأكيد “الميرغني” بوضوح أنه لا نجله ولا لجان المحاسبة التي كونها وأشرف عليها القيادي المقرب منه “أسامة حسون” ليسو جهات اختصاص مكفولاً لها فصل أو تجميد عضوية أياً من أعضاء الحزب، بخلاف ما كان يسوق له “الحسن” وأعوانه. وإمعاناً في تأكيد إزالة أي وجود أو شرعية لقرارات “الحسن” وجه “الميرغني” كافة القيادات المفصولة بمزاولة نشاطها الحزبي فوراً وفق مواقعها الحزبية، الأمر الذي قد يمثل حرجاً بالغاً لـ”الحسن” الذي أعلن مراراً تحديه وتأكيده بأن قرارات الفصل نهائية ولا تراجع عنها
ومضى (مولانا) لأبعد من ذلك بالتأكيد على صلاحيات المشرفين السياسيين ورؤساء الحزب بالولايات بجانب جميع لجان التسيير التي كلفها وتوجيههم بمباشرة أعمالهم فوراً وفق دستور الحزب وقرارات الرئيس. وقد تبدو النقطة المتعلقة باستمرار عمل لجان التسيير من الأهمية بمكان لأنها قد تشمل لجان التسيير المتعلقة بالترتيب لعقد المؤتمر العام للحزب الغائب منذ ستينيات القرن الماضي، وهي واحدة من نقاط خلاف كثير من القيادات مع “الحسن” والتي تتهمه بالعمل على تعطيل قيام المؤتمر العام، وإن كان هذا الاتهام لا يستثني “الميرغني” نفسه، الأمر الذي ربما يشي بتقديم (مولانا) تنازلات لاسترضاء القيادات الغاضبة.
تقليم الأظافر
وكأن قرارات “الميرغني” صدرت وهي تحدق بوضوح تجاه حالة التمكن والنفوذ التي اصطنعها “الحسن” لنفسه، فأراد “الميرغني” بضربة واحدة تأكيد بقاء نفوذه وسلطته المطلقة على الحزب، بجانب حفظ مكانة القيادات المفصولة وإعادة استمالتهم لجانبه، وفي ذات الوقت نفى أي شريك له في هذه السلطة وذاك النفوذ بتقليم أظافر القادم الجديد نحو موقع النفوذ الأعلى بالحزب وتعطيل زحفه الحثيث نحو الإمساك بمفاصل القرار داخل الحزب، وتتجلى هذه الرغبات التي سعت اليها قرارات مولانا في تنبيههه الحازم لجماهير الحزب ولوسائل الإعلام بعدم اعتماد أي بيانات أو مواقف أو قرارات ما لم تكن صادرة عن مكتبه الخاص أو عن الناطق الرسمي. وبالنظر لتثبيت حق الناطق الرسمي في التعبير عن مواقف الحزب تتبدى بجلاء حالة القطيعة الكاملة بين ما أفرزته قرارات “الميرغني” هذه وما سعى نجله “الحسن” لتثبيته خلال الفترة الماضية، فـ”الحسن” ومن حوله من أعوان سلبوا الناطق الرسمي “إبراهيم الميرغني” حقه في التحدث باسم الحزب فانزوى الرجل بعيداً عن مواقع اتخاذ القرار، وأصبح الحزب بلا لسان، إلا ذاك الذي ينطق بما يرضاه النافذ الأوحد “الحسن” ، وهو ما يفسر ما يتناقله ويتهامس به قيادات الإتحادي بوجود خلاف عميق بين “الحسن” وابن عمه “إبراهيم” حول طريقة قيادة الأول للحزب. الأمر الذي يشير إلى مناصرة “الميرغني” لابن أخيه (ابن عمه) على نجله.
المفصولون.. ترحيب وتحفظ
من جهتها تفاوتت مواقف القيادات المفصولة والتي جاءت قرارات “الميرغني” الأخيرة لصالحها بين الترحيب الحذر والتقليل من أهمية هذه القرارات. فالقيادي المفصول الدكتور “علي السيد” رغم ترحيبه بالقرار ووصفه له بأنه” خطوة مهمة وإنهاء لجموح “الحسن” وإعادته لنصابه رغم أنها جاءت متأخرة إلا أنه اعتبر القرارات ناقصة لتركيزها على جانب واحد من قرارات “الحسن” وهو المتعلق بفصل القيادات، مع إغفاله لقرارات المشاركة في الانتخابات وتجديد المشاركة في الحكومة وقال لـ (المجهر ) أمس ” كان يجب إلغاء كل قرارات “الحسن” لأنه أدخل الحزب الانتخابات والحكومة بقرار شخصي منه دون الرجوع للمؤسسات” وقلل “السيد” من قرار إلغاء “الميرغني” لقرارات الفصل باعتبار أنها قرارات غير شرعية في الأصل.
اتهام بالمناورة
البعض الآخر من المفصولين بدا غير مهموم إطلاقاً بصدور قرار من “الميرغني” بإلغاء قرارات ابنه
واعادتهم للحزب وتساءل القيادي الشاب “محمد علقم” عن سبب تأخر “الميرغني” أكثر من ستة أشهر ليصدر قرارا ينسخ به قرارات “الحسن” وقال لـ (المجهر ) “هذا يجعلنا نتساءل هل كان “الميرغني” على علم بقرارات ابنه” واتهم “علقم” “الميرغني” بالتواطؤ مع “الحسن” في تنفيذ ما اعتبره “إملاءً من المؤتمر الوطني “بإبعاد كافة القيادات الرافضة للمشاركة وقال”الآن بعد أن تم تثبيت المشاركة سعى “الميرغني” لإعادة المفصولين” ولفت إلى أن “الميرغني” توصل إلى فشل طريقة ابنه في قيادة الحزب وفشله في تحقيق أهدافه من المشاركة حتى على المستوى الشخصي، مشيراً إلى رفض الوطني منح منصب وزاري للذراع الأيمن لـ”الحسن” القيادي “أسامة حسون”
مطالبة بالمعاقبة
بالنظر إلى أن المخطئ لابد أن ينال الحساب والمعاقبة يستغرب بعض المفصولين عدم إشارة “الميرغني” في قراره بعد إثبات مخالفة “الحسن” للإجراءات المرعية داخل الحزب لأي محاسبة أو عقاب لنجله وقال “علقم”: “لابد من معاقبة “الحسن” و”حسون” ورد الاعتبار للقيادات التي أسيء إليها”، وأضاف “هذا الأمر أهم من عودتنا للحزب”. لكن د. “علي السيد” أكد عدم أهمية نص قرار “الميرغني” معاقبة “الحسن”، وقال: “ما دام القرار أكد على ممارسة المؤسسات لعملها فإن المحاسبة يمكن أن تتم عبر المؤسسات “
“الحسن”. ..عاصفة قادمة
كثيرون فور الإطلاع على قرارات “الميرغني” الناسخة لقرارات نجله، تتبادر إلى أذهانهم تساؤلات حول ردة فعل “الحسن” الموصوف بالعناد وشدة الاعتداد برأيه. شبه إجماع على أن الرجل لن يسكت ولن يستسلم لهذه الصفعة حتى وإن كان مصدرها والده، وهذا ما أكد عليه د. “السيد” بقوله: “الحسن” لن يسكت أبداً وسيقيم الدنيا ولن يقعدها” مؤكداً أنه سيلقى دعماً من السلطة التي تعتمد عليه في استدامة مشاركة الإتحادي في الحكومة وقال: “لكننا سنواجهه وسنقود حرباً عليه وعلى النظام”. وأشار إلى أن “الحسن” سيعتمد على مجموعة الوزراء والداعمين للمشاركة. لكنه أكد أن مواجهته لقرار والده لن تكون مؤثرة بالنظر إلى أن قواعد الحزب اكتشفت أخيراً أن “الحسن” لم يكن مدعوماً من والده في قراراته التي كان يصر على إمضاءها. من جهته لم يبتعد “علقم” عن ما أكده د. “السيد”، بل مضى لأبعد من هذا مؤكداً أن “الحسن” سيشعل فتنة كبيرة داخل الحزب، وكشف “علقم” عن استعانة “الحسن” بخاله “محمد سر الختم” الذي يتخذ من سنكات شرقي السودان مقراً له، مؤكداً أن “سر الختم” على خلاف مع صهره “الميرغني” وقال: “الحسن” الآن موجود مع خاله في سنكات “. ولم يستبعد “علقم” دخول “الحسن” في مواجهة مع والده. إلا أن “علي السيد” أشار إلى صعوبة دخوله في مواجهة مباشرة مع “الميرغني” لكنه أكد أنه لن يستسلم لقرارات والده.
مواجهات سابقة
ما يظهر من تقاليد راسخة داخل البيت “الميرغني” يشير إلى استبعاد وقوع مواجهة بين الأب وابنه أو الأخ وأخيه. لكن كثيرون يؤكدون تزايد طموحات “الحسن” في خلافة والده المتقدم في السن؛ الأمر الذي قد يضعف ولو قليلاً التمسك الصارم بتلك التقاليد المرعية. خاصة وأن بعض قيادات الحزب يشيرون إلى بعض الأحداث والمواقف بين مولانا ونجله والتي تؤكد شخصية “الحسن” الحادة والمائلة نحو المواجهة، ويروي علقم حضوره لرفض “الحسن” خلال اجتماع لتقييم انتخابات 2010 لتوجيه والده بإدارة الاجتماع وانتقاله للجلوس في الصفوف الخلفية. بجانب إلغاء مولانا لاجتماع بين “الحسن” ولجنة الحزب ببحري متعلق ببعض القرارات الحزبية، وإقدام مولانا دون تردد في إلغاء قرارات نجله بقيام بعض المؤتمرات القاعدية، وخلص “علقم” للقول “هناك صراع بين “الحسن” ووالده قد يؤدي لانقسام في الطريقة والبيت “الميرغني” نفسه”.