(المجهر) في أول حوار مع وزير المالية السابق "علي محمود" بعد تركه الوزارة
وضعنا البرنامج الثلاثي بعد الانفصال لإعادة الاستقرار للاقتصاد
رغم مرارة رفع الدعم ولكن أفضل مما نقول للشعب كل شيء تمام
خطابي لم يكن مستفزاً للمواطنين ولم أقل لهم أكلوا (كسرة)
جيت الخرطوم بـ”شنطة هاند باك” وليست “شنطة حديد”
حوار – صلاح حبيب
الأستاذ “علي محمود” وزير المالية السابق تولى الوزارة في ظروف عصيبة شهدتها البلاد بعد انفصال دولة الجنوب، وكاد أن ينهار الاقتصاد السوداني بسبب خروج الميزانية البترولية التي كان يعتمد عليها الاقتصاد، وشهدت البلاد استقراراً بعد اكتشاف وتصدير البترول، ولكن خلال فترة وجيزة عانت الميزانية وعانى المواطن بارتفاع أسعار السلع وانخفاض الجنيه في مواجهة العملات الأخرى.
(المجهر) التقت السيد “علي محمود” في حوار مطول تناول جوانب مختلفة من حياته منذ النشأة ومراحله الدراسية من الابتدائي حتى الجامعة، وكيف تم التحاقه بالحركة الإسلامية، ومن الذي جنده، والأحداث الكبيرة التي شهدها وهو طالب بجامعة الخرطوم، وأولى المحطات العملية له، وهل كان يحلم بأن يكون وزيراً للمالية، ولماذا شهدت فترة الدكتور “عبد الوهاب عثمان” وزير المالية الأسبق استقراراً في الاقتصاد ومحافظة للجنيه.. وهل حقاً كان خطابه مستفزاً للشعب السوداني قبل رفع الدعم عن المحروقات، وهل طالبهم بأن يأكلوا (الكسرة) بدل الرغيف، وهل يمكن أن تنفصل دارفور شأنها شأن جنوب السودان، ولماذا لم تستغل موارد البترول الاستغلال الأمثل، وما هي وجهة نظره لمستقبل الاقتصاد السوداني في ظل الظروف الحالية، كما تطرقنا لجوانب مختلفة من حياته سماعه في مجال الفن والغناء، مدن راسخة بذاكرته داخلياً وخارجياً، من هو وزير المالية في البيت، بجانب عدة أسئلة أخرى.. فلنترك القارئ يطلع على حوارنا مع الأستاذ “علي محمود” وكيف جاءت إجاباته حول ما طرحنا عليه من أسئلة.
{ “علي محمود” والنشأة؟
– “علي محمود” من مواليد “جنوب دارفور” محلية (رهيد البردي)، بدأت مراحلي الدراسية الأولية والثانوية العامة بـ”رهيد البردي”، ومن ثم انتقلت إلى المرحلة الثانوية بـ(مدرسة نيالا)، ومنها التحقت بجامعة الخرطوم (كلية الاقتصاد).
{ هل هناك مواد دراسية محببة لك؟
_ الجغرافيا والانجليزي.
{ السبب؟
_ لأن الجغرافيا من خلالها ترى العالم، أما اللغة الانجليزي فهي علم جديد بالنسبة لنا ونحاول (نقشر) بيها في المجتمع.
{ من هم زملاء الدراسة وأين هم الآن؟
_ زملاء الدراسة كُثر خلال المسيرة التعليمية الطويلة من الأولية وحتى الجامعة، والآن البعض منهم موجود في مجالات الحياة المختلفة، فهناك من أصبح في الإدارة الأهلية ومنهم عمد ومشايخ، والبعض منهم دخل سلك التعليم وآخرون في المجال التجاري.
{ ألا تذكر أسماء؟
_ أذكر “سالم الصافي” رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني السابق، و”موسى مختار” و”حمد حمدان”، وهناك بعض الزملاء زاملناهم بالجامعة مثل الأستاذ “بدر الدين محمود” وزير المالية و”علي أحمد حامد” والي البحر الأحمر.
{ هل سكنت داخلية؟
_ كل مراحلي الدراسية درستها وأنا بالداخلية.
{ ماذا استفدت منها؟
_ الداخلية تعلمك الانضباط والاهتمام بالمسكن والمسؤولية والاعتماد على النفس، فكنا نغسل ملابسنا بأنفسنا.
{ هلا تذكر بعض الزملاء في تلك الداخليات؟
_ الفترة طالت ولكن جزءاً ممن ذكرتهم سابقاً.
{ والأساتذة؟
_ أذكر منهم “المهدي عبد الله” والمرحوم “محمد طاهر علي عيسى”، “يوسف محمد الطيب”، “بشير آدم يوسف”، “أحمد آدم بشير”، “عبد ربه” و”عثمان قسم الله” وعدد كبير منهم ساهم في تشكيلنا.
{ جئت الخرطوم للجامعة. هل جئت بـ”شنطة حديد”؟
_ أبداً جئت ب”شنطة هاند باك” وليست “شنطة حديد”.
{ إحساسك وأنت مقبول بجامعة الخرطوم؟
_ كانت حاجة جديدة بالنسبة لي حتى وصولي إلى الخرطوم، وفي الخرطوم جامعة الخرطوم.
{ من هو أول من التقيت به؟
_ وقتها قابلت عدداً كبيراً من الطلبة جلهم جاء للتسجيل للجامعة، ولكن لا أنسى وأنا ماشي أسأل عن مكتب القبول قابلت طالباً يدعى “مدني” قال لي مكتب القبول بي هنا.
{ في أي الداخليات سكنت؟
_ في داخلية فلسطين.
{ ومقالب الطلبة الجدد؟
_ كانت ثقافة سائدة في الجامعة، فالطالب الجديد إذا سأل عن المكتبة توصف له السفرة.
{ هل تعرضت لذلك؟
_ أبداً.
{ والسبب؟
_ لأنني عملت جولة كاملة بالجامعة.
{ من كان معك بالداخلية؟
_ طالب يدعى “عبد الله إدريس” من “دنقلا” ومازالت علاقتنا مرتبطة ببعض إلى اليوم.
{ كم كان عددكم بالسكن؟
_ حوالي عشرة من بينهم طالب يدعى “بانقا” من النيل الأبيض و”عبد الصادق” من العباسية تقلي، وطلب يدعى “محمد” من مناطق الشايقية.
{ وكيف جاء التحاقك بالحركة الإسلامية؟
_ التحقت بالحركة الإسلامية منذ أن كنت طالباً بـ(نيالا الثانوية).
{ هل تذكر من جندك؟
_ الفترة طالت لا أذكر شخصاً بعينه.
{ وزملاء دراسة بالجامعة؟
_ كُثر وهناك عدد منهم ضمن الدفعة وآخرون إما من الدفعات التي سبقتنا أو الدفعات التي خلفنا، فكان الشهيد “عبيد ختم” والسفير “الدرديري محمد أحمد”، “كمال عبد اللطيف”، “إدريس محمد عبد القادر”، “الزبير أحمد الحسن”، “إدريس إبراهيم طه” ودكتور “مصطفى زكريا” و”التجاني عبد القادر” و”عبد الفتاح سالم” و”سالم الصافي” و”المعتصم عبد الرحيم” رحمة الله عليه، “الجميعابي”، “مطرف صديق” و”الشفيع أحمد محمد”.
{ هل كان لك نشاط بالجامعة؟
_ كنت مسؤولاً عن تحرير صحيفة (آخر لحظة) لسان حال الأخوان المسلمين.
{ من الأحداث التي شهدتها وأنت بالجامعة؟
_ الخلاف حول الاتحاد، فكانت هناك قوى تدعو إلى تغيير دستور الاتحاد إلى التمثيل النسبي، لأن نظام الانتخاب الحر المباشر يمنح الاتجاه الإسلامي الفوز بمقاعد الاتحاد الأربعين، أما التمثيل النسبي فلا يسمح لتنظيم واحد السيطرة على كل المقاعد، بل يعطيك تسعة عشر مقعداً من جملة الأربعين.
{ أول محطة عملت بها؟
_ عملت بالمصارف، فكان (بنك التضامن) أول محطة عملت بها.
{ بعدها؟
_ انتقلت للعمل بمشروع التنمية الريفية المتكامل كنوع من التنويع واكتساب الخبرة.. ظللت بالمشروع لمدة سنتين ومن ثم انتقلت للعمل بـ(بنك الثروة الحيوانية) ووقتها البنك كان في حاجة لمدير إقليمي بدارفور، فذهبت وأسست ستة فروع للبنك بولايات دارفور الثلاث قبل التقسيم، ومنها ذهبت لمناطق العمليات، ومن ثم إلى فرع البنك الرئيسي بالخرطوم مساعد المدير العام للشؤون المالية والإدارية، وخلال تلك الفترة انتخبت عضواً بالمجلس الوطني، وفي عام 1997م كلفت بالإشراف على واحدة من شركات البنك التي حدث بها بعض الإشكال المالي، وبعد حل الإشكال عينت مديراً لها، وفي عام 1998 تم تعييني وزيراً للمالية بدارفور.
{ من الذي رشحك لذلك؟
_ لا أعرف، ولكن اتصل عليَّ وقتها الشيخ “إبراهيم السنوسي” وقال لي أنت حتمشي معاي وزيراً للمالية بـ”شمال كردفان”.
{ أين كانت محطتكم الأخرى بعد “كردفان”؟
_ عينت وزيراً للمالية بالبحر الأحمر عدت للخرطوم بعد توقيع اتفاقية نيفاشا2005، وبعد عشرة أيام تم تعييني وزير دولة بوزارة المالية وكانت تجربة جديدة بالنسبة لي، انتقلت بعد ذلك والياً لـ”جنوب دارفور” ظللت والياً لمدة عامين ونصف، وبعد انتخابات 2010 تم تعييني وزيراً للمالية الاتحادي.
{ هل كنت تتوقع أن تصبح وزيراً لمالية السودان؟
_ أبداً، وقد جرت العادة أن أغلب الولاة الذين يتم إعفاؤهم قليل منهم يصبح وزيراً اتحادياً، فالغالبية يذهبون إلى بيوتهم عدا بعض الاستثناءات.
{ هل كنت تتوقع أن تذهب إلى بيتك؟
_ أنا العمل بالنسبة لي تكليف وعمل مؤقت، ويمكن أن يقال لك في أي لحظة جزاك الله خيراً.
{ ما الذي كان يشغلك بعد الانفصال وأنت وزير للمالية؟
_ ألا يؤثر الانفصال وخروج الموارد البترولية الضخمة على الاقتصاد السوداني.
{ هل كنت تتوقع الانفصال؟
_ نعم.
{ ما هي خطتكم التي وضعتموها لما بعد الانفصال؟
_ وضعنا البرنامج الثلاثي وأهم ما فيه كيف نعيد الاستقرار للاقتصاد بعد خروج البترول، لأننا فقدنا (45%) من الإيرادات بسببه فقدنا (90%) من مصادر النقد الأجنبي، لأن (90%) كانت من البترول و(10%) صادرات غير بترولية، فهمنا في تلك الفترة كيف نتجاوز بالسودان هذا الظرف، وكيف نستطيع نجعل البلد تقف على رجليها ومن ثم تبدأ مسيرة التنمية بالتنوع في المجال الاقتصادي.
{ وهل بالفعل تجاوزتم المرحلة؟
_ إلى أن خرجت من الوزارة أستطيع أن أقول إننا تجاوزنا المرحلة بفضل الله وبجهود هنا وهناك، وجعلنا من كل مؤسسات الدولة أن يكون الهم الاقتصادي هم دولة، ولذلك قمنا بالإجراءات الإصلاحية ثلاث مرات في يناير من عام 2012م، وهذه كانت المرة الأولى عندما علمنا وعلم الجميع أن الجنوب في طريقه للانفصال، فلا يمكن أن أقوم بدعم البترول والجنوب في طريقه للانفصال، وكلنا يعلم أن بترولنا يذهب إلى الجنوب ومن الجنوب إلى “يوغندا” وإلى بعض الدول المجاورة، وعملنا برنامجاً تقشفياً، وكررنا ذات البرنامج في يونيو 2012م بعد أن استعدنا “هجليج” مباشرة ثم في سبتمبر 2013 ورغم مرارة الجرعة ولكنها ساعدت في عدم انهيار الاقتصاد السوداني.
{ عندما بدأتم البرنامج الإصلاحي أو التقشفي يقال إن السيد الوزير كان خطابه للمواطنين مستفزاً وطالبت الشعب أن يأكل (كسرة) إذا لم يجد الرغيف… ما مدى صحة ذلك؟
_ الحديث غير صحيح، ولو بحثنا في المضابط إن كان ذلك على مستوى البرلمان أو مجلس الوزراء أو في أية فضائية سودانية أو غيرها وما ينبغي لنا أن نستفز الشعب، فحديثي كان توضيحياً منبهاً للمخاطر التي سنواجهها، لأننا لن نأخذ قروضاً من صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي، وإنما كل القروض التي نتحصل عليها كانت من “الصين” ومن الدول العربية ورغم مرارة رفع الدعم عن المواد البترولية كان أفضل بدلاً أن نقول للشعب كل شيء تمام.
{ شهد الاقتصاد السوداني خلال فترة وزير المالية الأسبق الدكتور “عبد الوهاب عثمان” استقراراً وشهد الدولار استقراراً لفترة من الزمن.. إلى أي شيء تعزي ذلك؟
_ لقد شهدت فترة الدكتور “عبد الوهاب عثمان” استقراراً في السياسات، بالإضافة إلى هدوء الحرب في الجنوب واتخذت خلال تلك الفترة حزمة من السياسات تم التوافق عليها، وكانت هناك موارد تم توظيفها، فكل ذلك أدى إلى الاستقرار الذي نتحدث عنه عكس الفترة التي توليت فيها الوزارة، فالظروف مختلفة تماماً ففي 9/7/2011م انفصل الجنوب فكان لابد من إصلاح هيكلي وأجرينا برنامجاً تقشفياً شديد جداً واتخذنا قرارات صعبة وقوية، ولذلك فترتي كوزير للمالية تختلف عن فترة الدكتور “عبد الوهاب عثمان” للمعطيات التي ذكرتها.