دعوها!
حسناً فعلت لجنة الأمن بولاية الخرطوم وهي تشدد على الحزم والحسم وسيادة القانون، على معالجة طارئات عراك وشجار بين بعض المواطنين بالريفين الشمالي والجنوبي لأم درمان والذي تحول في منقولات الوسائط والإعلام إلى اشتجار أهلي ثم قبلي، خلعت عليه تصنيفات القبلية التي ما دخلت ربعاً إلا وجعلته خراباً ينوح عليه بوم الخيبات والفجائع، إن المواطن – أي مواطن – حينما يخطئ إنما يفعل ذلك من تلقاء نفسه، جرماً خالصاً عليه وكذا حينما يحسن وينال مقاماً أو غنيمة فإنما فعله جهد بذله وعطائه ويجب ألا يكون مسموحاً البتة بإلباس أي من الفعلين رداء الأنساب والوشائج وفرز الألوان للدماء والسحنات.
انظروا ما حاق بدارفور وخذوا العظة ما أعلمه، مشاجرة وعراك قد يندلع لأسباب لا تحمل أبعاداً عنصرية أو سياسية، وإنما هو ردة فعل وتصرف فظ جراء هياج أو خلاف غذاه الشيطان يتحول إلى حشود تبدأ التوسط وتطييب الخواطر وجبر الضرر، ثم ينتقل من تسوية لخلاف نشب حينما استبد الغضب بأحدهم لأن ثوراً له وطأ زرعاً لآخر فلقي الثور الأبيض حتفه في يوم المزارع الأسود، ليتحول الأمر من جودية أهلية حسب العرف الشائع إلى مؤتمر ومفاوضين وغرف ووسطاء، يسعون بين العمد والمشايخ بالأوراق والمطالب فيتحول الأمر إلى سيرك سياسي، يبدأ بمحاصصة المحليات ثم الوظائف الدستورية على قلتها ليكون من الطبيعي أن يرتفع عدد الوزراء والمعتمدين بالرئاسة في ولايات دارفور إلى نسب خيالية، لأن كل مقتل لــ(تيس) وتخريب لـ(جبراكة) ينتهي بحشود الواقفين على أبواب السلطة في الولايات والمركز!
إن (السعيد بشوف في أخوه) وأما الشقي فإنه (يشوف في نفسو) وانظروا الآن لحجم التمزق والتهتك الذي طال النسيج الاجتماعي في دارفور، فهل يريد الذين يغضبون الآن في أم درمان والقرير وغيرها أن يتخذوا ذات المسار؟ والإجابة التي أضمنها هي (لا)، ولهذا فمن تمام الحكمة حصر الأمر في المسارات القانونية فمن كان مخطئاً ومتعمداً بالخطأ فلينل جزاءه وعقابه كفرد وشخص، دون فرض التعميم الذي يطال أهله. وفي القانون متسع وكذلك في قيم العفو والشهامة السودانية الخالصة حيز لاحتواء أي خلاف مهما كبر واتسع مداه، وعليه فالمطلوب بالإجمال الانصياع لخطاب لجنة الأمن بولاية الخرطوم وترك المسائل لتسير وفق الوجهة الصحيحة والله حسيب الجميع.
الدور الأهم والأول منوط بالنخب المستنيرة من طلاب الجامعات ورموز الوعي العام ممن لا تستقطبهم خرافات وجهالات القبلية والعنصرية، ويجب محاصرة كل دعاة مزاعم التهييج والاستهداف فما يقتل المواطن والمسلم إلا أخاه وما أتى جناة من المريخ أو من وراء المحيطات، ومهما تكن الأسباب والدوافع فإن حرمة الدم يجب أن تراعى ومستقبل الأجيال والتعايش فكل هذه عوارض تزول وتبقى هذه الأرض للجميع وبالجميع.