الكهرباء
تتعالى الأصوات بين الحين والآخر ضجراً واستياءً من تراجع في خدمات المياه والكهرباء بالبلاد ويظهر هذا الوضع في العاصمة الخرطوم التي صارت سوداناً مصغراً إن اشتكى منه عضو تداعى كامل الوطن العريض بالسهر والحمى والتخمينات، وقضية ومعضلات المياه هذا ملف طويل وعريض، ولكن لنؤسس اليوم منطلق حديثنا على الكهرباء التي انتقلت وتمرحلت من هيئة إلى وزارة لأغراض تحسين الخدمة وتطويرها وليس حتماً لأهداف ومقاصد التكييف السياسى والتفصيل على مقاس البعض كما يظن غير الراسخون في العلم، والحقيقة التي لا يجب إغفالها أن الكهرباء في السنوات الأخيرة كانت مفخرة وقدمت ولم تستبقِ شيئاً وشارفت على أن تحقق (النمرة الكاملة)، لكنها ولأسباب موضوعية تصاب بالرهق أحياناً، ولأنها خدمة حيوية ترتبط ديمومتها باستقرار أوضاع كثيرة، بعضها يمتد و يتصل إلى الأمن العام والاستقرار السياسي، فإن قليل شح وفرق منها يبدو كجبل يريد أن ينقض على رأس أحدهم.
لا أزعم أن الوضع الحالي بالنسبة لها مثالي أو هو ما نرجو، ولكن بقليل موضوعية يجب الاعتراف أن السنوات العشر الأخيرة تحسن فيها الأداء بشكل لا يمكن مقارنته بعهود مظلمة عاصرناها في هذا البلد، يعتبر التعثر الذي نراه حالياً مقارنة بها أمر لا يذكر، هذا مع مراعاة أن الوطن اتسع وتمددت مدنه والخدمة التي كانت تقدم سابقاً من الإمداد الكهربائي لحيز ونطاق جغرافي محدود امتدت الآن لتكون شبكة عريضة ربما تمتد، ولست واثقاً من هذا وأرغب في تصحيح ما إن كنت مخطئاً تمتد ربما إلى السودان القديم المتصل جنوباً حيث الدولة الوليدة الآن، ولو أن الشحنة المحمولة من التيار سابقاً كانت تمرر لاحتياج كتلة سكانية وصناعية معينة ومحدودة فقطعاً أنها الآن تضاعفت، ولهذا يظل مجرد استمرار الخدمة نفسها وبكفاءة أفضل من السنوات السابقة في حد ذاته منجز لا يمكن التقليل منه أو الاستهانة به.
فصل الصيف وشهر رمضان المعظم إن تزامن معه تظهر وبشكل طبيعي مثل هذه الفجوات، وهذا مفهوم لارتفاع وتيرة الاستهلاك بشكل مفرط وهو ما يستوجب أن يتعامل الناس والزبائن بقدر من الترشيد، ونحن شعب نعاني اختلالات كثيرة في هذا المفهوم، ويضاف إلى هذا أن كمية مقدرة من الإمداد الكهربائي نفسه تذهب بلا مقابل أو عائد تحصيل إلى كتلة ضخمة من المستهلكين في بعض المؤسسات الحكومية والدوائر ذات الوضعية الاستثنائية مثل المستشفيات وغيرها، وقطعاً فإن هذه السلعة ليست مادة تحصل من الهواء وإنما هي عملية نتاج توليد وأعمال فنية وهندسية ومراجعات تتم كلها وفق مطلوبات السوق وبالتالي فإن وزارة الكهرباء تكون محاصرة بين مطلوبات تقديم الخدمة كعمل إستراتيجي للناس وبين استحقاقات توفير الخدمة نفسها والأمر بصيغته تلك معادلة اقتصادية وفق أبعاد الربح والخسارة، وهو ما يستوجب الحديث بصراحة عن أسعار الكهرباء وتحديد الفئة التي تدعم والإغلاظ على الفئة التي تلزم بدفع
خدمات الكهرباء المقدمة في السودان أفضل من كامل الجوار الإقليمي، ولا يمكن إطلاقا مقارنة الخرطوم من حيث توفرها ونشاطها وتميزها بعواصم مثل القاهرة وأديس أبابا وإنجيمنا ومن يغالط فليسأل.