إمامة المفترض للمتنفل..!!
جددت الولايات المتحدة الأمريكية وضع اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهذا أمر لا يبدو مستغرباً إذ من الواضح أن القائمة نفسها تبدو أقرب ما تكون إلى الوصمة السياسية منها إلى عمل يقوم على تأسيسات موضوعية مهنية فيما يتعلق بتوصيفات المهددات الأمنية التي تجعل من بلد ما مهدداً للسلم الدولي أو نطاقه الإقليمي، وهو ما لا ينطبق على السودان، فلا هو ناهض في سباق التسلح بما يجعل كثافة نيرانه المنتظرة تهز عرش عاصمة مجاورة، ولا يملك مشروعاً سياسياً بمفهوم تصدير ثورة للخارج، ومن ثم لا يبقى سوى توصيف البغض من الإدارة الأمريكية بغض النظر عن لونها السياسي للنظام الحاكم في الخرطوم.
السودان ظل فوق هذا بلداً آمناً، إذ لم تشهد أقطاره حادثاً إرهابياً ضد جماعة أو فئة، وخلت مضابطه من وقائع الدم والأشلاء رغم أن كل المحيط حوله تتناثر فيه التفجيرات، وحتى بعثة الحكومة الأمريكية في الخرطوم تعدّ من الآمنين إذ يمضي الرعايا حياتهم في أمن وأمان، بل ويتجولون في الأحياء الطرفية يوزعون كيس الصائم في مسلك هو غاية النفاق واستغلال حاجة البسطاء، بل أكثر من ذلك فهم في قيادة بعثتهم الدبلوماسية يغشون الخلاوي وقباب الشيوخ يشاركون في الإفطارات ويتمايلون في حضرات الصوفية ولم يعترضهم أحد بمراجعة فقهية أو لائحة دبلوماسية مبذولة ومتاحة لضبط تحركات البعثات بين عوام المواطنين؛ إن الخرطوم التي توصم بالإرهاب لم يقتحم مسلم فيها كنيسة كما يحدث في أمريكا النزاهة والشرف، ولم تسحل الشرطة فيها مواطناً لأنه من غير عرق دماء النبلاء، ولم يثبت في كل مراصد الإعلام والمباحث الأمنية العالمية أن أبناءها السمر هم القوة الغالبة في تنظيم “داعش” الذي يجند من الغرب والفرنجة أضعاف ما يستقطب من دارفور أو الشمالية.. فمن هو الإرهابي؟!
إن أحداث القتل والخراب التي وقعت في جنوب كردفان ودارفور هي الإرهاب بعينه، لكن عين واشنطن كليلة وهي لا ترى في تلك الأعمال إلا حقاً مشروعاً لنضالات قتلة وصل الحال ببعضهم أن يقتل العزل كما فعل “جبريل إبراهيم” برفاقه في بامينا التشادية، حيث يقيم القتلة وفرقة التنفيذ الآن في بريطانيا ويتجول قادتهم بين البرلمانات الأوروبية ومجموعات الضغط الأمريكية تفتح لهم خطوط التواصل والوصال؛ هؤلاء تخطئهم قائمة الإرهاب ويوضع بدلاً عنهم من نذر نفسه لحماية أهلنا في القرى والأرياف من جرائم الجبهة الثورية!
إن واشنطن تثبت الآن أنها بلد بلا أخلاق، وأنها تتبع مصالحها، ومصلحتها ستظل في إقلاق السودان وتقويض فرص السلام فيه، وليس أدل من هذا نشاطات مبعوثها للسودان الذي يقيم في معسكرات المتمردين السودانيين أكثر من إقامته في بلده، والذي كلما انفرجت فرجة للسلام هبط في مقار التفاوض في أديس ونسف فرص التقارب، وقد رأيته بأم عيني يصحح أوراق حركات دارفور ويرسم لهم مخططات التعسف؛ إن واشنطن تقف الآن وتصلي نافلة خلف الخرطوم التي تؤمها وهي مفترضة حسن المقام والعلاقات، وقد حان الوقت لاتخاذ مواقف أكثر واقعية في هذا الملف، والكروت كثيرة، فضعوها فوق الطاولة سادتي.