الحملات!
تجولت عرضاً ظهراً قبل يومين بوسط الخرطوم وصادفت حملة ضارية لفرض النظام وإزالة المخالفات بواسطة عمال المحلية، كنت قبالة الجزء الشمالي من المسجد الكبير حينما تابعت معارك كر وفر بين السلطات ومواطنين من التجار السريحة وبائعات الشاي. وكعادة السودانيين تدخل أصحاب المحال بإخفاء البعض وتعاطف البعض الأكبر مع جدل امرأة مسنة وعامل لم يستجب لرجاءاتها، قد تكون الصورة متكررة ومألوفة ومعتادة وهي من بعض ما رسخ في ذهنية السلطات والإنسان في العاصمة وغيرها. بيد أنني استشعرت أنها هذه المرة ضارية وقوية وفظة بشكل لافت، ولو أني مسؤول مكلف أو معين أو مستقر لي الحكم بأحد المحليات أو مظان تلك السلطات، لما ترددت فوراً في إيقافها في الخرطوم وغيرها.
ليس من حسن السنن أن يبتدر الناس تغييراً أي كان في مقام الحكم والوزارة ثم يكون مفتتحه مثل هذا الإغلاظ على المواطنين، حتى وإن كانت أغراضه صحيحة ومطلوبة، يمكن بقليل تروي البحث عن توقيت وبيئة زمانية مناسبة تعود فيها المعالجات بشكل يحفظ النظام، ولكن الذي يحدث يشيع حالة من الاستياء العام تبدو مضرة بالصورة الكلية، وهذا قول يرفضه البعض ممن أدمنوا العيش في قصور السلطة وبعدت بهم الشقة وهواجس وظنون غمار المواطنين، ويحسبون أن مثل هذه التقديرات ليست صحيحة وهي صحيحة.
الكل على موعد مع شهر رمضان الكريم، وهذا بالضرورة يصنع حركة تجارية كبيرة، بيعاً وشراءً وبحثاً عن الاحتياجات وضرباً في دروب الرزق، في هذا التوقيت كنت أتوقع أن تتساهل السلطات المحلية قليلاً خاصة وأنها لا تبدو ناجحة فيما عدا مطاردة الصبية والمسنات! إذ لم نرَ لها فتحاً في مصرف مياه أو إقامة خدمة وحتى هذه كانت تحدث عادة باجتهادات الولاة بقدر لم يعد فيه شخص يحفظ أكثر من معتمد أو معتمدين، لأنهم لا يفعلون شيئاً وإن تراصت رتبهم ووظائفهم حين إصدار قرارات التعيين !
الناس على مشارف الشهر الفضيل دعوهم يأكلوا من خشاش الأرض، وإن كان لابد من النظام فليكن بطرق أكثر احتراماً لآدمية ومواطنة المواطنين، ولئن كانت السلطات تحتفظ بحقها في ردع المخالفين و(كشتهم) فأين هو حق ذات المواطن، إن قصرت السلطة المحلية أو العليا عليه وظلمته وقصرت تجاهه. الإجابة ببساطة لا حق، وحتى الآن لا أدري ما المذمة في أن يعرض صبي صغير بضاعة يسد بها حاجة أسرته ويتعفف بها، وإن كان عرض البضاعة نفسه مخالفة فلماذا يكون الصمت جائزاً عن مخالفات أكبر مثل ازدحام السوق نفسه بسلع منتهية الصلاحية أو هالكة ومهلكة، وهذه مخالفات وتجاوزات أحق بالردع والمتابعة ولكن لا أحد يفعل شيئاً أو يردع شخصاً إلا هذا البسيط.
لو كنت مسؤولاً من ضمن من سموا في هذا العهد الجديد لكنت حريصاً ألا يرتبط مقدمي باللعنات والاستعاذة بالله من غلبة السلطان وقهر الرجال.