من وحي الأخبار

اعتذار

أعلنت الناشطة “ساندرا كدودة” اعتذارها وتبرؤها عن مزاعم راجت باختطافها أو توقيفها وحجزها بواسطة عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني حسب ما راج في وقت سابق من قصة تعرضها لمعاملة قاسية واحتجاز وربما ضرب، وما إلى ذلك من متون تلك القصص التي تتحول عادة لمحاكمة سياسية وبرامج للخطابة وحشود الإدانات التي تعطي الحكومة (سوط) والجهاز (عصا).
قلت يوم أن احتدم الجدل والنقاش حول الواقعة إني أشك في حيثيات الواقعة وأعلنت ثقتي في صحة وبراءة يد الأجهزة الأمنية وجهاز الأمن والمخابرات عيناً، الذي يعمل وفق قانون ولوائح وسيرورة إجراءات لا تجعله يتردد في توقيف شخص وإعلامه أو إعلام أسرته بمكان اعتقاله، وحتى إن لم يتم الأمر كذلك ففي النهاية يعرف الجميع أن (فلان) معتقل وأنه خرج لاحقاً، ويتم عادة الإعلان عن ذلك، فليس في التوقيف مذمة للجهة المنفذة أو الشخص المعتقل، بل على العكس، صار الأمر سانحة لتحسين السيرة النضالية للبعض ورفعاً لأسهمهم.
تراجع الناشطة الشيوعية المعارضة عن مزاعمها يعني ببساطة أن قصتها الأولى مكذوبة، وهو ما يحتم ويلزم بالنظر العميق في قصص مماثلة وادعاءات سابقة أو لاحقة متوقع صدورها عن أشخاص وأحزاب معارضة أو باحثة عن أمجاد سياسية. والحقيقة أن كثيراً مما يرد في هذا الجانب واضح أن فيه بعد الخيال الواسع، وواضح كذلك أن لبعض الجهات ممثلين ومشخصين كما في الأفلام الوثائقية يؤدون مهام منتحلة تنتج أعمال توقيف وضحايا على آثارهم علامات التعذيب والإذلال النفسي المصطنع
غض النظر عن الأبعاد الكاملة لقصة الناشطة الكريمة، فالثابت أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني تحلى بمسؤولية أخلاقية عالية القدر واتسم تعامله والحدث باحترام وانضباط وروح أبوة تجاوز فيها عن الانجراف لخانة رد الأذى عن سمعته ونفسه، ففي وقت الواقعة المكذوبة وكثافة التعاطي الإعلامي المهتاج معها اكتفى الجهاز بالصمت رغم أن خفايا الأمر كانت معلومة لديه، وكان يمكن أن يقص كل المسألة بصراحة مطلقة ويهيل التراب على سمعة خصم سياسي، لكنه لم يفعل ورجح خيار أخف الضررين بتحمل أذى الادعاء ودفع ثمنه ولو مؤقتاً.
المفارقة في هذه القضية برمتها أن من يفترض أنه صاحب سطوة التعذيب ومالك غيابة الجب ونفوذ العقاب كان أخلاقياً أرفع درجة من الطرف الذي يزعم أنه حامل ألوية الحق والخير وطالب المدينة الفاضلة، وهي مفارقة ستعني في النهاية أن على السودانيين عدم الوثوق بكثير يرد من المعارضة التي واضح أنها لا تملك وازعاً يردها عن الافتراء حتى أنها وإن لم تجد حدثاً صنعته وادعته.
جهاز الأمن والمخابرات الوطني تصرف بحكمة تلزم كل من مس جانبه بالاعتذار وليس “ساندرا” وحدها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية