الحوار الوطني
عاد ملف الحوار الوطني للصعود مرة أخرى على واجهة الأحداث السياسية ونشطت أخبار وتصريحات لجنة السبعتين، غير أني لا أزال أرى هذا المشروع عالقاً في طور مباراة تنس الطاولة، بين الساعين لانعقاده والمترددين أو الرافضين جملة. وستتكرر مشاهد رد الكرة بين “شعيب” وجماعة الدكتور “غازي” على سبيل المثال، وسننتظر اجتماع السكرتارية والدعوة لجمعية الأحزاب العمومية، وستكون التصريحات مكررة ومعتادة مثل كل مرة من العشرين مرة التي شهدنا فيها الحدث.
سيبرز كذلك بعد الأذرع الخارجية وسيدخل الرئيس “أمبيكي” عوده ويضع الاتحاد الأوربي سهمه، وسيفتح الباب لمضغ علكة مشاركة الحركات المسلحة وجماعة قوى الإجماع الوطني، وسيجد “عرمان” ساحة لممارسة عادته في العصف السياسي والتنظير، وستكون المحصلة المعروفة من شاكلة دخلت حبة وخرجت وأصدرت بياناً.
أعتقد أن الحوار الوطني بمسماه الواسع الذي أعلن به يجب بجانب المحور السياسي أن يأخذ أبعاداً أخرى، تشمل مكونات وطنية ومجتمعية وأهلية لا يشترط أنها منظمة حزبياً لهذا الطرف أو ذاك، والأحزاب بشواهد عديدة لا تمثل إلا قياداتها ولا سلطان شعبي لها يعتد به، ولهذا ليس من الحكمة احتكار الأمر لمائة حزب أو عشرة، فللوطن أغراض في الحوار وبرامج لا تتعلق كلها بساس ويسوس.
من حق أي مواطن في المدينة أو الريف الإدلاء بدلوه ووددت لو نقاشات مجتمعية قامت في الجامعات والمدارس وبين الأحياء تناقش هموم الناس وتضع المقترحات، وهذه جمعية عمومية أنجع أثراً وأكثر فعالية وستضع هذا الحوار في مساره الحقيقي كواقع معاش ومشاهد، عوضاً عن اختزاله في تصريحات السياسيين وأحزابهم والذين علقوا بالمشروع والوطن والمواطنين في خلافاتهم وجدلهم الممل حتى صار ارتباطهم بهذا الأمر مدعاة لليأس والقنوط .
إن انتظرت الحكومة والمؤتمر الوطني والصادقون في هذا المنشط موافقة الكل فسيطول الانتظار، لأن التكييف السياسي والإجرائي للحوار عند كل حزب يختلف من الآخر، فالمعارضة المسلحة لن تجلس إلى طاولته حتى يلج الجمل في سم الخياط، وأحزاب قوى الإجماع الوطني التي تفشل أن تدير حواراً فيما بينها لن تكون حريصة على حوار خارج إطار تحالفها. وأما أحزاب لجنة الحوار نفسه مثل الإصلاح الآن ومنبر السلام، فهذه تتخذه مساحة للضغط على الحزب الحاكم وإحراجه.
وهكذا من الأفضل للجميع التركيز على محاور أخرى لها قضاياها وعناصرها وساحاتها، والزمن ليس في صالح الجميع فانهضوا إلى فعل إيجابي ومفيد.