الدم الحرام
من أوجب واجبات الدولة التدخل الآن لحقن دماء السودانيين في شرق دارفور وتوجد عشرات الطرق لذلك، والسلطة لا تكون سلطة إن هي عجزت عن احتواء مواطنين وقبائل غض النظر عن حجم المشكلة وتمدد نطاقها، رغم إدراكي أن نزاع (الرزيقات) و(المعاليا) أزمة قديمة ورثتها الإنقاذ وقد ترثها حكومة أخرى، ولكن هذا يجب ألا يغيب فرص الحل الآمن الذي يحفظ استقرار الجميع.
ومع أهمية التدخل الرسمي القوي فثمة دور مضاعف عند أبناء المنطقة وطرفي النزاع، وبالله عليكم كم تساوي مساحة أرض لقبيلة أو أخرى مقارنة بروح طفل أو عرض امرأة؛ لن تساوي مساحة العالم حيازة وقراراً روح مواطن برئ ومسلم؛ روح الإنسان لا تعادل بأرض فلاة ويتفاقم هذا حينما نعلم أن هذا السودان يسع الجميع، وقد وسعهم يوم أن كان شعباً أطيافاً من القادمين والمقيمين، فاتسعت الأرض وضاقت الفرج على الشيطان ولهذا فإن أول مفاتيح الحلول بيد(المعاليا) و(الرزيقات) أنفسهم، فإن لم يكونوا حريصين على حقن دمائهم فإن الآخرين سيسعون بالحسنى ولكن يجب أن يعلموا أن أولياء الدم والأرض والعرض أولى بالمبادرة والحل.
إن الأرواح التي أزهقت وضاعت والدماء التي سفكت إنما ذنبها يطال الناشطين في المقتلة، وهؤلاء ليس من بينهم غريب أو آتٍ من السماء؛ إنهم من نفس الأرض والدم والنسب، وقتل وجرم قطع الرحم وخرق الصلات ومزق مركوز الود وقد تم بيد من هنا ويد من هناك، ولم يكُ قط فعلاً من متون نظرية المؤامرة أو كيد عدو متربص إنه عدو النفس وعداوة الذات.
إن (المعاليا) و(الرزيقات) أقوام سبقت منهم الحسنى في تاريخ السودان البعيد والقريب، كان منهم العلماء والشهداء الأوفياء وظلوا في مضاربهم رموزاً للعطاء والأثرة، فكان الوطن الكيان عندهم محفوظاً ومقدماً لم يتقاصروا أو يقصروا في كل المواقف الوطنية، وهم بمثل هذه المناقب مرجوون في مثل هذه الساعة ليتذكروا وقد مسهم طائف الشيطان فيصبحوا مبصرين.
إن وقف الاقتتال وتغليب صوت العقل وإن كان مسعىً عاماً، فإنه بين طرفي النزاع يجب أن يكون أولوية؛ والشجاع وصاحب الفضل من يحقن دماء أهله وعدوه ولا بطولة في الحماقة، وأي منجز سيفخر به الإنسان وقد دمرت دياره ونزح أهله، وبعد أن كانوا كراماً يقرون القرى يتحولون الآن إلى نازحين تطلب عونهم سواعد الغوث والحماية.
احقنوا الدماء هداكم الله .. هداكم.