أرض من؟!
الأخبار المزعجة المتواترة عن تجدد القتال القبلي بولاية شرق دارفور بين أبناء العمومة والأهل (المعاليا) و(الرزيقات) أخبار مؤسفة، وتطور من شأنه أن يقوض محصلة الاستقرار التي تلوح الآن في الإقليم الكبير. فبعد انحسار وتلاشي ضرر ومهددات الحركات المسلحة وعصابات التمرد لن يكون مقبولاً أن تنفتح شلالات الدماء والصراعات بسبب خلافات حول (الحواكير) أو أي سبب آخر، فهذا الصراع القديم المتجدد سيفشل فرص السلام الماثلة، وقد يتفاقم ليتحول إلى بداية أزمة جديدة لا يحتاجها الوطن والإقليم.
على الدولة بأرفع مستوياتها السياسية والتنفيذية ورموز العقلاء في السودان بالكامل التحرك العاجل والسريع والتوصل إلى حل ناجع يقوم أساساً وأصلاً على حقن الدماء، ثم استخدام صلاحية سيادة الدولة على الأرض لترسيم واقع جديد؛ وصحيح أن لكل مواطن وحزمة مواطنين كأفراد ومكونات إثنية حقوقاً في المكان والزمان الوطني، لكن ما هو أصح منه أن الأرض للدولة، وبالتالي لا داعي لأن يكون خلاف ما حول جزء مدعى لجعل الوطن مقبرة للمساكين والأبرياء الذين كل ذنبهم أنهم انتموا لطرف بالصراع، بغض النظر عن موقف كليهما، وعلى الدولة وبعد استنفاد وسائل الإقناع والإرضاء، وأظنها فعلت، أن تقوم بحزم مسؤول وتتدخل بقول نهائي وملزم يحاسب من يرفضه.
ليس مطلوباً مثل كل مرة إهدار الوقت في مؤتمرات للصلح والتسويات عقدت العشرات منها منذ اندلاع المشكل في عهد الوزير “محمد داوود الخليفة” قبل (50) عاماً وتلتها مئات انتهت كلها إلى الخرق، والاحتكام عوضاً عن العهود إلى السلاح الذي تطور من حربة وسكين إلى مدافع رشاشة وأسلحة ثقيلة، وهو ما يعني ببساطة أن معدلات القتل وإصابة الأنفس ستكون عالية وجسيمة، وأن جهود الإصلاح ستواجهها مرارات الثارات، فضلاً عن أن إيقاف القتال في حد ذاته وفي ظل هذه المعطيات سيكون أكثر كلفة من حيث الإقناع ابتداءً ناهيك عن التدخل للفصل بين المقاتلين، إذ ببساطة سيكون هناك ضرر يمس الجهة المتدخلة وإن حسنت نواياها.
قلت عشرات المرات إن أول أساسيات الحلول لتجاوز ملف الصراعات القبلية الاحتكام للقانون، وبردع يسوق أي مخطئ للمحاكمة؛ يجب ألا تكون هناك حماية لأي شخص أو عفو؛ والتصنيف هنا معياره قانوني بحت بمعنى أنه يقصد الشخص أو الجماعة المخطئة ولا ينظر إليها كقبيلة، ولأن ما أضاع الأمر هناك أن القانون وإجراءاته تجمد لصالح الجوديات والوسطاء، فما عاد أحد يأبه لنيابة أو قضاء، فاتسع الفتق ولم يبق من سلطان الدولة إلا لجان التحقيق التي تذهب وتعود بالأوراق والدفاتر وتوقيعات الأعضاء!
المسؤولية كذلك أولى ومضاعفة على أبناء دارفور بالمركز والمراكز العليا، إذ عليهم النزول من صياصيهم إلى واقع الأحداث الدامية، وعليهم تجاوز دور حضورهم الشكلي رغم ثقل أوزان المناصب التي يشغلونها باسم الإقليم، ثم يعجز أغلبهم عن احتواء أي مشكل.. وعليهم إدراك أن دارفور تحولت إلى منطقة كأنها مسكونة بشيطان حتى مل الناس في بقية أطراف الوطن الكبير أخبار الموت والفجيعة القادمة منها كل يوم، فإن لم يقتل فيها العدو قتل فيها الأخ أخاه بسبب بغل اقتص حشائش من مزرعة أحدهم.
إن ما يجري لا يشبه أخلاق وسماحة أهل دارفور الذين عليهم الانتباه للهاوية التي يمضون نحوها، والتعاطف الذي يتناقص معهم بسبب أنهم يقتلون بعضهم؛ منهم وفيهم، ويخربون ديارهم ويفسدون دينهم ودنياهم.. وما للظالمين من أنصار.