البروف والدكتور
مساء (الخميس) تابع السودانيون ما يمكن توصيفه بخطابين وخطين مختلفين سياسياً ولكنهما يصبان مع اختلاف الأحجام في المسار السياسي العام بالبلاد، الأول والأهم شكله البروفيسور “إبراهيم غندور” الذي تسيد ثلاث محطات فضائية سودانية في محاورة طوفت في الواقع السياسي الراهن والتصورات المستقبلية لهذا الواقع. في الجانب الأخر نشرت حركة العدل والمساواة المتمردة بياناً على لسان رئيسها الدكتور “جبريل إبراهيم” كان هو الأول الذي أقرت فيه الحركة بالهزيمة وأنها تعرضت في جنوب دارفور إلى ضربة موجعة.
صحيح أنه لا يمكن المقارنة بين الموقفين لا من حيث المشروعية ولا من حيث القدرات ولكن واقع حالنا يجوز ولو لأغراض التحليل، ولئن كان البروف “غندور” يمثل السلطة والحزب الحاكم فالدكتور “جبريل” يمثل الآن رأس الحربة لقوة المعارضة المسلحة تعتبر حتى قبل ورطتها الأخيرة الفاعل الأبرز لتحركات الطرف الآخر والمؤثر على مواقف مكوناته. وأقول باستعراض الخطابين أو الخطين بدا جلياً أن الخرطوم تقف على قاعدة ثابتة من الثقة وهو ما تبدى في إجابات “غندور” – والمقام محفوظ – وهو سياسي متميز صاحب حضور سياسي وإعلامي يسهل له دوماً إمكانية احتواء سهام السائلين ليحولها إلى تمريرات لصالح مواقفه ومقاصد رسائله.
البروف نجح في تقديم مرافعات سياسية رصينة وقدم رسائل ايجابية مسؤولة في قضايا الحوار الوطني والمفاوضات والشراكة مع القوى السياسية، ولم يضطر للغة الحادة فهو أصلاً خارج نطاق الضغط السالب. فقد مضت الانتخابات وتبدو الأجواء السياسية في أحسن حالات استقرارها وصحتها فلا مخاشنات لفظية أو أعمال من شاكلة اعتقالات أو اشتباكات حادة مع القوى الحزبية الأخرى خاصة تلك المناهضة للمؤتمر الوطني وحلفائه التي يبدو وكأنها قد أصيبت بحالة إرهاق عالية انصرفت بعدها لأخذ قسط من الراحة واستجماع القوة، وقد تعزز هذا كله مع الانتصار العسكري الساحق الذي أنجزته القوات الحكومية والتي انتقلت روحها المعنوية العالية جداً قطعاً للأجسام السياسية بالدولة.
بالمقابل وإن عدنا لبيان حركة العدل والمساواة فقد لفت نظري فيه أن لغته تبدو غير محترفة، غلبت عليه الروح العاطفية وأحسست أن من سطره وكأنه كاتب غير موهوب، فهو قدم شيئاً أقرب إلى المنشور والخواطر منه إلى بيان إيضاحي لحدث كبير من جهة ذات مشروع سياسي معارض، كما أن البيان بعد هذا كله بدا أقرب ما يكون إلى البكائية التي أقر صاحبها ضمناً وصراحة بأنه هزم شر هزيمة، لدرجة استجدائه للناس من أجل الانخراط والتجنيد وهو ما يعرف بنداء الاستعواض! كما توعد رئيس الحركة أشخاصاً من حركته لم يسمهم بالويل والثبور من خلال إشارة بدت مبهمة لكنها مخيفة لعملاء أو ما شابه، ومؤشرات تشي بالاختراق وهو الوضعية التي تعني أن ما بعد البيان سيكون حملة فرز ألوان متسرعة، قد تقود قيادات ميدانية وسياسية بالحركة المتمردة إلى السجون أو التصفيات بتهمة التعاون مع السلطات الحكومية.
مقابلة البروف “غندور” التلفزيونية المتفائلة والمستقرة ثم بيان الدكتور “جبريل” الحزين في ذات التوقيت، تشير بجلاء أن المرحلة المقبلة تدخلها الخرطوم وعينها على النقاط والنتيجة والعرض معاً.