رأي

مسالة مستعجلة

خرطوم زمان

نجل الدين ادم

العاصمة الخرطوم كانت تحمل مقومات العاصمة عندما كانت الطرق سالكة حتى بداية الثمانينيات وأنت تركب بص (فورد)، من حي الحماداب الشعبي العريق أو ود عجيب لتصل لزنك الخضار في الخرطوم لتشتري (كوم كمونية) يوم (الجمعة) أو أن تنزل في زنك الخضار في السجانة الذي أصبح الآن في حق الله لتشتري كوارع للعشاء .
 المراكز الصحية بالأحياء كانت كفيلة بأن تقدم الخدمة العلاجية لكل مواطن وإذا استعصى الأمر يتم تحويلك بورقة رسمية إلى مستشفى الخرطوم رحمة الله عليه. الأب لا يستطيع مخالفة جغرافية المنطقة ليرسل ابنه إلى مدرسة أخرى بحي بعيد، لا مدارس خاصة ولا يحزنون، التعليم مجاناً، الكل أمضى مراحل الدراسة في مدارس ليست ببعيدة عن الحي الذي يسكنه.
خرطوم زمان – ما زمان خالص،  كانت محصورة قبل أن يضربها الانفجار السكاني وتظهر مدن الانفتاح السكاني في أم بدات وامتداد جبرة والثورات الجديدة، وتظهر أحياء الإنقاذ والأزهري والأندلسات وأبو آدم وامتداد الكلاكلات والدروشابات وسوبا إلى الخ..، توسعت الخرطوم دون أن يقابلها توسع في الخدمات الأساسية فحلت أزمة المواصلات وتكالب الجميع على مستشفى الخرطوم لتضعف الخدمات هناك، الشوارع مع زيادة المركبات هي ذات الشوارع القديمة إلا من بعض الشوارع القليلة .
المعالم الجغرافية كانت واضحة وأصحاب التاكسي يحفظونها عن ظهر قلب، الآن أصحاب الأمجاد لا يعرفون شارع كتارينا الخرطومي الشهير ولا شارع السجانة بالنص، ولا شقلبان بالثورة لأن السائق يسكن الخرطوم!.
سكان الخرطوم كانوا زبائن دائمين على مواقع السينما المنتشرة في العاصمة المثلثة (الخرطوم – أم درمان – الخرطوم بحري)، يعرفون الفلم المعروض في سينما الوطنية وسينما النيلين وسينما غرب وكازينو النيل الأزرق إلى الخ .. رغم تخلف وسائل الاتصالات والدعاية.
كنا نتجه راجلين من حي القوز العريق عقب إفطار رمضان صوب استاد الخرطوم لحضور تمرين للفريق القومي، أو أحد فرق القمة والمشي كان لزوم (تفريقة) لموية رمضان.
حي العمارات كان على مرمى حجر، كان يسكنه أهله قبل أن تصبح معظم المنازل اليوم مقاراً للسفارات والشركات.
المواطنون كانوا منتشين وهم على طرقات العاصمة، مظهر كل واحد منهم كان كفيلاً أن يعبر عن رقي الناس، قميص أبيض ناصع وبنطلون أسود انجليزي أو جلابية مكملة بعمة وشال ناصع البياض.
خرطوم زمان تعلق ساعة كما ساعة (بغ بن) في بريطانيا لحساب دوران الزمن، المواصلات وحركة الناس في مواقيت. وأذكر أن أهالي جبل أولياء يحرصون على مغادرة وسط الخرطوم قبل المغرب، لأن بص الجبل (الفورد) وهو يحمل من أعلى (تمن اللبن)، لن يكون متوفراً بعد الساعة السابعة. السجانة كانت محطة تجمع، وبالقرب من مرطبات السلام التي ما تزال موجودة هي الوحيدة إلى يومنا هذا، كان هناك دكان للعناقريب يقوم بإيجار العنقريب لمن تخلف عن موعد البص ولم يلحق بآخر سفرية، ليقضي ليله على العنقريب الهباب ويعمل حسابه بكرة يمشي بدري.
خرطوم زمان تتوفر فيها المدارس بكل الأحياء والمراكز الصحية، كذلك الشوارع خالية من الزحام.
آمل أن نشهد (خرطوم) على ذلك النسق، خرطوم لا يخنقها الزحام، ولا تضيق طرقاتها فليس ذلك ببعيد إذا توفرت الإرادة، لأن في المخطط الهيكلي للعاصمة شيئاً من حتى، نأمل أن يكتمل ليكون شيئاً من الواقع، ودمتم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية