تحقيقات

(المجهر) تقف على أحوال العمال والحرفيين بـ(محطة سبعة)

عمرها أكثر من (70) عاماً
ـــ ست شاي: ناس المحلية معذبني غُرمت قرابة الـ(300) جنيه خلال أسبوعين وصادروا أغراضي أكثر من مرة
ـــ العمال: النقابة عندها (ناسات) وأنهم أعضاء منذ فترة طويلة لكن دون فائدة
تحقيق ــ ميعاد مبارك
“عمال على الطاير” أرزاقهم “تلاقيط” وأعباء معيشتهم وأسرهم ليست بالهم اليسير أغلبهم من أبناء الأقاليم، يقفون في تقاطع “محطة سبعة” بامتداد الدرجة الثالثة، يتلقفون الزبائن بلهفة المشتاق لمن طال وزاد عليه الفراق. كانوا جلوساً في وضع المِحنة بكسر الميم – اليد على الخد –  قمنا بزيارتهم والوقوف على أوضاعهم، وما أن علموا أننا من بلاط صاحبة الجلالة حتى تحلقوا حولنا يحدوهم الأمل في أن نكون لهم عوناً وسنداً ونفلح في إيصال صوتهم للمسؤولين أو المعنيين بهم كقطاع حرفيين، ثم شرعوا ببث شكواهم وكلهم ثقة وإيمان بعدالة وحياد الصحافة.
خلال هذه الجولة استمعت (المجهر) لشكاوى العمال المتنوعة والتي أوقفت في بعضها حال الكثيرين، ثم حملت الشكاوى والاتهامات ووضعتها على طاولة المتهمين والمعنيين بأمرهم وخرجت بهذه المحصلة.
أزمة ست شاي
بدأنا بالخالة (س) التي آثرت عدم ذكر اسمها خوفاً من العواقب، ابتدرت حديثها قائلة: “أغلب زبائني من العمال القادمين من الأقاليم أبيع الشاي في المحطة منذ “8” سنوات، مضيفة: ناس المحلية معذبني غُرمت قرابة الـ(300) جنيه خلال أسبوعين وصادروا أغراضي أكثر من مرة في النهاية خليت ليهم “بنابري وباقي عفشي” ما بقدر على غرامة ثانية، أنا أم وبربي في أيتام وبدفع تكاليف علاجي من هذا العمل البسيط ونسبة لانشغالي بتربية العيال أعمل في المساء، وبطلب من القائمين على الأمر يتركوني أعمل هذه الساعات القلائل فليس لدي باب رزق آخر يصونني ويحفظ كرامتنا من السؤال والمذلة.
الحال واقف
من عشم العمال فينا وكثير شكواهم شكلوا دائرة كبيرة حولنا وبدأوا  الحديث في نفس الوقت الكل يريد بث شكواه، اتجهنا نحو “الكاشف أحمد” الذي كان يجلس في هدوء بالقرب من معداته، حدثنا بقوله: تركت الدراسة وبدأت العمل هنا (سباك) منذ إزالة الأكشاك عام 1976م، والمحطة فيها كل مجالات الحرفيين من عمال وبنايين وسباكين وكهربجية، حفارين وخطاطين، وأردف: كانت أحوالنا ممتازة ونسبة لموقع المحطة الإستراتيجي كان الزبائن كثيرين، لكن ومع دخول العمالة الأجنبية استغنى عنا الناس، وفي النهاية لا أقول غير الحمد لله على كل حال غيرنا يعيشون أوضاعاً أصعب، مشيراً للحروب الدائرة في العالم ونحمد الله على الأمن والأمان والعافية، بس الحال واقف.
انتقلنا بعدها إلى “عبد الله بخيت” الذي ابتدر حديثه قائلاً: المحطة لها قرابة الـ(70) عاماً كانت مصدر رزق لآبائنا ونحن من بعدهم، أنا وغيري كثر من العمال حاصلين على الشهادة السودانية، بل إن بعضنا لديه دبلوم “صنايع”، وزاد: أوضاعنا صارت صعبة للغاية وأهلنا ينتظرون أن نمدهم بلقمة العيش، والشغل “يوم في ويوم ما في” والحمد لله، ومع ذلك نتمنى أن تبنى لنا مظلة تحمينا من جور الشمس ويتركونا نباشر أشغالنا.
التسجيل يحفظ الحقوق
قاطع حديثنا ملقياً التحية الأستاذ منسق الوحدة الإدارية لامتداد الدرجة الثالثة “نبأ شيخ الدين”، وبعد أن عرف هويتنا انخرط في الحديث (العمال ديل عندهم نقابة وعملنا ليهم بطاقة عضوية ومدينهم قطعة أرض وعملنا ليهم مظلات، بالإضافة لأننا وفرنا ليهم فرصة لدراسة دبلوم لمدة (8) شهور كل في مجاله، وأمن الحضور من العمال على كلامه (ورشة مدرسة الفتح) لتدور بعدها سجالات بينه وبينهم تأفف بعضهم من الفكرة قائلاً: (نحن هنا عشان نشتغل ونأكل عيالنا ما جايين لقراية)، وبعضهم أكد على استفادته من برنامج الدبلوم، فيما اتهم آخرون “نبأ” بأنه وراء “الكشات” مشككين في وقفته إلى جانبهم في محنتهم، فردهم بقوله: أي عامل مسجل في النقابة حقه محفوظ، وكيف لنا مساعدة غير المسجلين؟.
أصر العمال على أن نرى قطعة الأرض التي تحدث عنها الأستاذ “نبأ” والتي تقع على بعد خطوات من مبنى محطة كهرباء الامتداد، ذهبنا إلى هناك ووجدنا بعض المظلات المصنوعة من الخيش سألناهم عنها فأجابوا أنها محظورة عليهم بل ومهددين بالتعنيف من الأشخاص المسيطرين على تلك المنطقة، وأن باقي الأرض تم تحويلها إلى مخزن به معدات بناء وبعض الأغراض الأخرى مؤجرة لمقاولين وكذا مطعم – على حد قولهم – أما المسجد فقط يمكنهم أداء الصلاة فيه.
الحمام بجنيه
وفي ركن آخر سألنا مجموعة من العمال إن كانوا أعضاء في النقابة أم لا، أجاب بعضهم بالإيجاب بل وأخرجوا بطاقاتهم للتأكيد على ذلك، وألمحوا إلى أن النقابة عندها “ناسات” وأنهم أعضاء منذ فترة طويلة لكن دون فائدة، أما البقية الباقية من العمال الذين كانوا معنا اعترفوا بأنهم ليسوا أعضاء في النقابة لعدم إيمانهم بأنها تمثلهم وتحافظ على حقوقهم مستدلين بالمجموعة الأولى وعدم استفادتها من بطاقات العضوية في شيء، ولفت أحدهم بقوله: تمر علينا أيام لا نأكل سوي وجبة واحدة وبعد كل هذا مطالبين بدفع جنيه إذا دخلنا الحمام، ونحن نسأل إلى من تعود عوائد هذه الإيجارات ومن المستفيد منها؟
وناشد عمال (محطة سبعة) السلطات لتقويم نقابتهم والوقوف على سير العمل فيها، متأملين أن يدمجوا في بعض المشاريع لو أمكن ذلك علّ أوضاعهم تتحسن، راجين أن تختار لهم المحلية القالب المناسب لتقنين عملهم بلا ضرر ولا ضرار بعيداً عن نيران (الكشة) وويلاتها، وفي الختام كرروا نداءهم لمظلة تأويهم وتحميهم من لظى الشمس وحر النهار.
الطرف الآخر
من المستفيد من إيجارات قطعة الأرض الممنوحة لعمال محطة سبعة؟ ولماذا يمنعون من الجلوس فيها أو تحت مظلات الخيش المتاخمة لها؟ ولما الحمام بجنيه؟ وهل عند النقابة “خيار وفقوس”؟ وما الذي تقدمه من أفكار ومشروعات لرفع دخل العمال؟ وهل من سبيل لمعالجة قانونية لمشكلة “الكشة”؟ ولماذا لم تبني لهم النقابة مظلة حتى الآن؟ وهل تقوم بالدور المنوط بها.. علماً بأن من أهداف قيام النقابات حسب قانون التنظيمات النقابية لعام (2010) الدفاع عن حقوق الأعضاء وحماية مصالحهم وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية ورفع كفايتهم الفنية والفكرية ورفع مستواهم الثقافي وبذل العناية الكافية لتحقيق وفرة الإنتاج وتجويد الأداء؟ 
حملنا الأسئلة أعلاه إلى الأستاذ “الطاهر حامد” رئيس نقابة حرفيي (محطة سبعة) الذي ابتدر حديثه قائلاً: “نحن ناس شعبيين متطوعين بندفع من جيبنا وكل دورة نقابية تكمل عمل سابقتها، وتبقى من فترة نقابتنا هذه ثلاثة أشهر. ثم أردف: هذه القطعة التي يتحدثون عنها نحن العمال القدامى منذ عام (1985) دفعنا رسومها واجتهدنا في استخراجها، وهي قطعة أرض لكل عمال (محطة سبعة) القدامى والجدد فقط عليهم أن يكونوا أعضاء في النقابة حتى تسيير الأمور في المجرى الصحيح، مبيناً أن كلفة بطاقة الانتساب للنقابة فقط (35) جنيهاً وبها تصبح بياناته مقيدة في النقابة ومن خلالها يتمتع بكافة الحقوق المنوط بالنقابة تحقيقها، ومن جانبه يلتزم العامل بواجباته التي تمليها عليه هذه العضوية.
رد الاتهامات
وعن الجزئية المؤجرة قال رئيس النقابة: هي أقل من نصف قطعة الأرض وتم تأجيرها في عهد النقابة السابقة، ونستخدم الإيجار لأعمال صيانة المنافع ونظافتها ودفع فواتير الكهرباء والمياه بالمرافق التي تم بناؤها في قطعة الأرض والتي شُيدت بواسطة هذه الإيجارات أيضاً، أضف إلى ذلك الصندوق الخيري الذي يستفيد منه العمال، وفي ما يعنى بجنيه الحمام فهو طوعي وليسوا مجبرين على دفعه ويوجد صندوق عند المدخل من أراد فليدفع ومن لم يرد فليترك، وهذه المساهمات لأجل أعمال النظافة اليومية للحمامات.
وأكد “رئيس النقابة” أن للعمال مظلة داخل قطعة الأرض ولا أحد يمنعهم من الجلوس فيها أو في باقي قطعة الأرض، ولكنهم (عايزين يلقطوا من الظلط ما عايزين يقعدوا في القطعة بتاعتهم بنظام)، لافتاً إلى أن النقابة لا تعارض إلغاء الإيجار إذا اجتمع العمال وطلبوا ذلك، مبدياً أسفه الكبير مما سماه لا مبالاة العمال بما يجري من شؤون النقابة بقوله: عايزين يشتغلوا ليهم شهر شهرين ويسافروا لأهلهم، وزاد بقوله: لطالما وضعنا لهم إعلانات كيما نجتمع ونتشاور لكن قلة هم المهتمون أما البقية الباقية “دايرة أي شيء على الجاهز” حتى عندما فتحنا لهم فرصة التأهيل المهني عبر دبلومات مدتها ثمانية أشهر فقط  بالتنسيق مع جامعة السودان فقلة قليلة فقط هي التي التزمت.
حوادث تعدي
ثم قال محدثنا: نحن ساعون بجدية لتطويرهم وتحسين أوضاعهم وبناء قطعة الأرض ولكن لا شيء يأتي بين ليلة وضحاها، نحن في عافية الحمد لله في السابق لم نملك قطعة أرض واليوم بدأنا في بنائها وساعون لإكمال ما بدأناه ونتمنى من العمال المشاركة والاهتمام والمتابعة والوقوف على مجريات الأمور لا كيل الاتهامات و”نحن ما عندنا أي خيار وفقوس” وراضون تمام الرضا عن أدائنا ونسعى للمزيد.
مجدداً تحدثنا مع منسق الوحدة الإدارية والشرطة الشعبية لامتداد الدرجة الثالثة  الأستاذ “نبأ شيخ الدين” في ما يلي موضوع (الكشة) وقد أكد أن حرفيي (محطة سبعة) لا يتعرضون (للكشة) بتاتاً، لكن المحلية تراجع المخالفين، مستشهداً بحادثة حيث قام أحد “النقلتيه” (عامل تصليح أحذية) بطعن موظف المحلية أثناء أدائه لعمله بسبب أن العامل كان يضع ثلاجة بيع ثلج في نصف “الخور” وسط الأوساخ والأمراض، وعندما أراد الموظف اتخاذ الإجراء القانوني اللازم وإزالة المخالفة قام بطعنه، وجريمة أخرى استصحبها “نبأ” قتل أحد غسالي السيارات من دولة جنوب السودان لآخر من دولة الحبشة قبل أيام، وبذا يرى أن المندسين وسط عمال المحطة يشكلون مهدداً أمنياً لمنطقة امتداد الدرجة الثالثة.
الالتزام بالسلامة
ثم عرج محدثنا إلى مشكلة النظافة والعناية بالبيئة، مؤكداً على أن وجود العمال في المنطقة من حيث المبدأ لا اعتراض عليه، ولكن عليهم الالتزام بضوابط سلامة المجتمع والبيئة، وهذا لن يحدث إلا إذا نظموا صفوفهم ونسقوا مواقعهم وقيدوا أسماءهم في النقابة للمعلومية وتسيير أعمالهم وأعمال من حولهم بصورة واضحة. وفي ما يلي “ستات الشاي” أوضح أنه يجب على كل من يعمل في مجال المأكولات والمشروبات أن يكون له كرت صحي للسلامة العامة، مشدداً على أنهم يتعاملون مع “ستات الشاي” السودانيات الجنسية ولا يتم منعهن من الجلوس في الشوارع الجانبية، أما جلوسهن في الشارع الرئيسي غير مقبول من وجهة نظره.
ربما يثقل مسير ركب التحضر والتموضع البيئي والسياحي للمنطقة وجود العمال بشكلهم الحالي في المحطة، لكن من لهؤلاء العمال وأسرهم وسط الأوضاع المعيشية الصعبة؟ وهل من جهة أو مجموعة خيرية تتبنى إدماجهم في بعض المشاريع لأجل رفع مستوى دخلهم ورفع سقف خبراتهم؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية