من وحي الأخبار

جمهورية الثقافة

أتمنى بعد انتهاء مرحلة الانتخابات وانعقاد الأمر لدورة حكم جديدة مداها خمس سنوات أن يتم التوجه بشكل أكثر جدية نحو اهتمامات الفنون والثقافة، يجب الاعتراف أنه وبعد خمس وعشرين عاماً من حكم الإنقاذ فإن المنجز على هذا الصعيد يبدو ضعيفاً إن لم نقل مخجلاً، ويبدو أنه حتى الجهود القليلة من وزارة الثقافة تنتهي عادة إلى اللا شيء ومحصلة صفرية لأنه يكون عادة جهد المقل. لقد أهملت قطاعات الشعراء والمسرحيين وغيرهم رغم تأثيرهم العريض والمعروف، وصار جل النشاط موسمياً حين يتذكرهم البعض في مواقيت الحملات الانتخابية وحين الشدة! 
يحدث هذا رغم أن الشعراء وعموم المبدعين ببلادي ظلوا في مقدمة المبشرين بالعزائم، كانوا كذلك في أدبيات الحركة الوطنية، كانوا في الراحل “حسن الخليفة العطبراوي” الذي ذاق السجن والاعتقال كمطرب، كانت حاضرة المطربة الوطنية الأولى “حواء الطقطاقة” إذ تخسر بعض أسنانها لأن المفتش الانجليزي راعه ما يسمعه منها. مسيرة طويلة ورصينة من البذل والفن النبيل، نشر أدبياتها ونغمها القوي “أحمد المصطفى” – العميد – في صحاري طبرق وغنت بها “عائشة الفلاتية” للجند الفاتحين العائدين ولضباط (مركز تعليم)  في (يجو عايدين الفرقة المهندسين).
إن الظرف الماثل الآن والحاجة لأي جرعة إسناد معنوي للشعب ومواقف القائمين على أمره تستوجب فتح كامل أرشيف الغناء الوطني، درر وروائع الغناء الحماسي، شعراء وألحان مغناة وجلالات، يجب أن تخرج كاملة من أضابير حافظة التراث الوطني بالإذاعة القومية، الوضع الماثل الآن ليس خالصاً في تدابيره للسياسيين والمتحدثين منهم في كل المنابر والمعابر، إنه وضع لكل سوداني فيه دور وواجب وموقف يستحق أن تفرد له مساحات التعبير والبيان، ولا أقوى من بيان باسم الشعب ومشكلي وجدانه بقيم الخير والجمال.
إن جهود الدكتور البروفيسور “راشد دياب” في الجريف واجتهادات “علي مهدي” في البقعة وغيرها من الإشراقات، من اللازم أن تسند بالعناية والرعاية، هذان مثلان على قيام المبادرة من خارج مظلة الحكومة، هما يكفيانها شر الإرهاق والاجتهاد ويقومان بالواجب وزيادة، ومثلهم كانت تجربة (أمير التلب) في شارع النيل والتي قتلت بسبب قصر النظر وسوء التقدير فانسحب الرجل وضيوفه، وعلى الحكومة ألا تغضب إن وجدت أن الشارع الجميل قد تحول يوماً إلى ساحة للخطباء الداعين لمعاني التشدد، وهذا يوم سيأتي وحينها لات حين مندم.
 رطبوا كبدة هذا الشعب بالإبداع والفنون المنضبطة، تكسب البلاد أجيالاً من الطيبين والطيبات الوادعين، هذا شعب مثقف ومعلم، كبير الوعي، تكسبوه بالقول السليم، والبيان الحر والفصاحة النيرة، ولهذا فلتكن الجمهورية المقبلة جمهورية للثقافة والمعرفة والإشراق.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية