"هبيلا"
فجر أمس(السبت) وقد تعرف أو لا تعرف فقد اعتدت عصابات الجيش الشعبي والجبهة الثورية على منطقة “هبيلا” بجنوب كردفان، ومثل كل مرة يختار المتمردون منطقة قليلة الوجود الأمني والعسكري الحكومي لتعتدي على مزارعين ومدنيين، ثم تحرر بياناً كذوباً عن انتصار متوهم حققته على أشلاء المساكين من أهل جنوب كردفان، تحرير يمتد لساعات أو أقل تخرج بعده العصابات وقد قتلت العشرات من المواطنين العزل ونهبت سوقهم ومتاجرهم. هجمت صباحاً وفرت عصراً؛ كل هذا عقوبة على انتخابات لم يقررها الضحايا مثلما أنهم لم يقرروا حرب الزيف المفروضة باسمهم؛ أي نضالات هذه فقط أدمت الثورية قلوب المساكين لا غير !
وبالطبع فإن الحدث سيكون في أدنى اهتمامات الإعلام والناس وربما بعض المسؤولين، تلك مناطق خارج تغطية الاهتمام، وطالما أن ما يجري في نطاق بعيد عن العمق المؤثر فلن يتحرك أحد، فلا وقت للخارجية من أجل بيان إدانة وإشهار للواقعة تملكه للرأي العام الدبلوماسي، ولا جهد في تتبع الأمر وسينتهي الأمر كله إلى طي ملف الجريمة مثلما حدث في كالوقي والرحيمانية ، تلك مدن أو قرى لا تشكل هاجساً لمصالح العاصمة وأضمن لو أن الحادث الذي تم كان قطعاً للطريق القومي، أو تهديداً حيوياً لخرج الخطباء وسيرت المسيرات التي تندد بصهيونية وعمالة الحركات المسلحة.
يوم أن اعتدى جيش جنوب السودان على “هجليج” كان الأمر مختلفاً وكذا الحال يوم هاجموا “أبوكرشولا” ووقفوا على حافة طريق الخرطوم الأبيض، وتنسموا نسيم الخرطوم. ويوم هوجمت أم درمان كان الرد سياسياً ودبلوماسياً مختلفاً. صحيح أن موقعاً من موقع يختلف لكن الجريمة يجب أن تظل واحدة ومدانة ومرفوضة، خاصة وأن التحركات الأخيرة سبقها إعلان صريح من قطاع الشمال والجيش الشعبي ببيان الناطق باسمه عسكرياً ثم بمخاطبة المتمرد “الحلو” لجنوده قبل الاعتداء على كالوقي، وهو خطاب موثق ومبثوث ليكون السؤال هل قامت جهة بتوثيقه وهل نهضت مؤسسة أو وزارة بإثبات الجرم عليه، وهل خاطب مندوب أو موفد للسودان في أي محفل أممي أو إقليمي الأمر لأي جهة لإثبات حد أدنى من الشهادة، الإجابة أن أحداً لم يفعل.
لا أعرف تلك المناطق ولم أزرها ولكني أتواصل مع أهلها والتقيهم هنا وهناك، وسمعت عجباً عن قتل وسحل واستهداف إجرامي يتطلب بخلاف الردع العسكري للمتمردين تحركات أخرى، فيها متسع لإدانة المعتدين خاصة أن الغطاء العسكري لكل بقاع السودان وأرجاء الوطن يبدو عملاً مستحيلاً في حالة وطن يتمدد على مساحات شاسعة، إذ لا يمكن حماية كل قرية وحضر فيه ولكن هذا بالضرورة لا يعني أن يكون تكرار الصفع للمواطنين والركل والقتل الصريح عملاً دائماً ومتصلاً، ثم يتم السكوت عنه واعتباره وكأنه حادث سير مروري في يوم عطلة رسمية.