(ود نوباوي) التي عرفتها..!!
كل مدينة وكل حي له تاريخ، لكن من يصدق أن حي ود نوباوي هذا الحي الصغير يصنع تاريخ هذه الأمة.. فقد ساهم الحي بتقديم رؤساء لوطن كانت تبلغ مساحته مليون ميل مربع، به أكثر من عشرين مليون نسمة.. خرّج هذا الحي الرئيس “جعفر نميري” القائد الملهم الذي تغنى له عدد كبير من الفنانين والفنانات، نقولها نعم وألف نعم (ليك يا القائد الملهم.. أب عاج أخوي يا دراج المحن).
حتى الآن لم يكتشف أحد سر هذا الرئيس الذي حكم السودان لستة عشر عاماً، وحيكت ضده كل المؤامرات والدسائس والانقلابات التي لا حصر لها وفي النهاية مات ميتة هانئة. هذا القائد العظيم خرج من هذا الحي المتواضع الفقير الذي عاش أهله في محبة بدون خيلاء أو تكبر وما زالوا. عاش سكان هذا الحي كأنهم أسرة واحدة يتعاملون مع بعضهم البعض بـ(الطاقات والنفاجات).
لم يكن الرئيس “جعفر نميري” هو الرئيس الوحيد الذي خرج من هذا الحي فقد ضم من قبله الإمام “عبد الرحمن المهدي” أبا السودانيين، أحد صناع الاستقلال مع آخرين، داره كانت مفتوحة للجميع من مسؤولين وغيرهم من عامة الشعب، ثم جاء من بعده الإمام “الصديق” أيضاً وهو من أبرز القادة سواء أكانوا في حزب الأمة والأنصار أو الوطنيين الغيورين على البلاد، ثم الإمام “الهادي” الذي لم يقل وطنية عن شقيقه، ثم تلاه الإمام “الصادق المهدي” الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترتين في الديمقراطيتين الثانية والثالثة.. ومن آل البيت أخيراً الدكتور “الصادق الهادي المهدي”، وهو أيضاً ابن من أبناء هذا الحي العريق.
وهناك شخصيات وطنية فذة منها “أمين التوم”، اللواء “البنا”، اللواء “أبو قرون عبد الله أبو قرون” واللواء “الهادي بشرى”، وقد تجسدت الوطنية في أبناء هذا الحي المتواضع.. ومن الوطنيين أيضاً مولانا “دفع الله الحاج يوسف” الذي شغل إبان الحكم المايوي منصب رئيس القضاء ومنصب وزير التربية، وكذلك مولانا “صادق عبد الله عبد الماجد” من ركائز الإخوان المسلمين وواحد ممن أسسوا التنظيم، وكانت داره نادياً لأبناء الحركة الإسلامية تعج بهم صباح مساء وكانت ملاذاً آمناً لهم خاصة القادمين من ولايات السودان المختلفة.. وكذلك الشيخ “قريب الله” أحد شيوخ الطريقة السمانية، ونجله الشيخ “الفاتح”، والبروفيسور الراحل “حسن الفاتح قريب الله”.. عاشوا في تآلف ومحبة رغم اختلاف تنظيماتهم السياسية، التواصل والتآلف بينهم سمة سائدة.
قام في الحي أعرق نادٍ، نادي ودنوباوي، الذي خرّج أجيالاً من اللاعبين وما زال متواصل العطاء مع الفرق الرياضية المختلفة.. حتى على مستوى البصات، وكان بص (ود العريق) من أشهرها آنذاك و(بص الكندة).. واشتهر أبناء الحي بالغناء، منهم الفنان “صلاح محمد عيسى” صاحب الصوت الملائكي، وكانت سينما أم درمان التي يقال إن صاحبها الوالد “مهدي أزرق” أحد المقربين للإمام السيد “عبد الرحمن المهدي” وشقيقه الفاضل الرجل القامة والشامة ما زال بالحي يجزل العطاء لأهله.. وصاحب الصيت والشهرة التي فاقت ولايات السودان الراحل “موسى ود نفاش” أسطورة البلاد.. ورغم محدودية الحي لكن أبناءه قدموا الكثير لهذا الوطن، ولا يمكن أن نتحدث عن كل مكوناته في باب واحد أو عشرين، فكل جانب من الحي يحتاج إلى توثيق كامل.. نسأل الله أن يوفقنا لإكمال بقية الحلقات.