والشكر لحماد
عاد إلى البلاد نفر من السياسيين المعارضين الذين وقعوا (إعلان برلين) وكان طريفاً أن أغلبهم تحدث عقب العودة للصحافة جزلاً طرباً وهو يقول إنه يتوقع الاعتقال في أية لحظة، وهو ما ذكرني أحدهم وعقب توقيع نداء السودان في “أديس أبابا” قبل أشهر وقف في ردهة الفندق الكبير وهو يرتجف محادثاً أحد قادة الحركات المسلحة طالباً نصحه وإذنه في أن يغادر إلى عاصمة أجنبية أخرى حتى لا يتعرض للاعتقال! كان موقفاً جباناً بكل المقاييس وقد دهشت فمن ينظر لحماسة ذاك السياسي لظن أنه قد يدخل رأسه في فوهة مدفع مدرعة ولا يغير رأيه ويتمسك بقضيته ولا يخاف حساباً وتوقيفاً! ولكن المهم أن العائدين من “برلين” دخلوا الخرطوم آمنين وسيطلون من على صفحات الصحف ثم لا ينسون في بياناتهم القول إن البلاد تعاني من حرية تعبير!
اللافت في مثل هذه الإعلانات أن نجومها والمتحدثين فيها تكون لأحزاب سياسية من الداخل من جماعات شتى، رغم أنهم يركبون دوماً خيول قضية دارفور و”النيل الأزرق” و”جنوب كردفان”، إذ يظهر كثيراً سيد “ياسر عرمان” الساحة ومعه الجنرال “عبد العزيز خالد” و”الخطيب” من الشيوعي وبعض المعارضين والأحزاب التي لا يعرفها أحد إلا في ذيل وريقات هذه المناسبات المتنقلة من عاصمة لأخرى بقدر تجعل المرء يقترح على الحكومة أن تصادق لهؤلاء بجوازات سفر دبلوماسية أو رسمية لتخفيف مشقة الإجراءات عليهم ولتقف لهم سفارات السودان بالخارج بمهام الضيافة والإكرام والبرتوكول المناسب.
وما يحدث الآن وبشواهد عديدة، فإن المعارضة المدنية بالخرطوم تتكسب بالوضع القائم بقدر صارت تتاجر فيه بقضايا مشروعات السلام والتفاوض بالبلاد، فإن حط الناس رحلهم في “أديس أبابا” كانوا حاضرين واحتشدوا بقدر يثير الشفقة والضيق عند الجهات الراعية للتفاوض، ويمتد الأمر أن انفضت الجولات للطيران في أنحاء الكرة الأرضية ومجالسة الواجهات الدبلوماسية من “أوربا” إلى “أمريكا” بغطاء قضايا الحرب وما شابه وتعلق بها في السودان وما يتبع ذلك من تمويل ودعم، بينما يجلس قادة “جبال النوبة” و”النيل الأزرق” المتمردون في الظل لا يجد بعضهم ما يسد رمقه في فنادق المنافي القريبة والبعيدة وحتى إن أتاهم عطاء يرد إليهم معطوناً في كثير تقتير وشح مميت من المناضل باسمهم وباسم المهمشين.
إن تلك القيادات المعارضة لا تقاتل في الجبال أو الوديان وبعضهم لا يعرف هل (الجيم 3) بندقية أم معادلة رياضية ولا تتأثر بما يجرى من حرب ومعاناة ولا يقربها أي منهم وأسرهم قد نقلت من “نيروبي” إلى “استراليا” و”كندا” يتعلمون ويدرسون وينالون العلاج في ارقي المشافي وحتى المقيم بالخرطوم فإنه (حامد شاكر) فيما لا يجد ممن الأهالي يدفعون فاتورة هذه الحرب الكذوبة الماء القراح للشرب!
خيل المتمردين تجقلب والشكر لـ”الخطيب” و”المهدي” و”عرمان” و(زعيط) و(معيط).