كيف تجرؤ؟!
ضحكت وأنا أقرأ مطالبة ورجاءات الأمين العام للحركة الشعبية ـ شمال، “ياسر عرمان” لنائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية “ستيفن فيلدشتاين”، الذي سيزور الخرطوم هذا الأسبوع بالتركيز في مباحثاته مع مسؤولي الحكومة السودانية على الانتهاكات الجسيمة لحالة حقوق الإنسان ومحاولة تحسينها، “عرمان” الذي تحول إلى ناشط ومدون متجولاً في الأسافير بورقة مناشدات وصفها الظرفاء بمعلقة (كيف تجرؤ)، مندداً بزيارة الوزير “علي كرتي” والبروفسير “إبراهيم غندور” إلى “واشنطن” وبالطبع لم يعره أحد في الإدارة الأمريكية، بل حتى جماعات الضغط التي كانت تتبنى عادة مثل هذا الهراء، تعامت هذه المرة عن المسألة ومضت الزيارتان وعاد الرجلان إلى “الخرطوم” فيما يبدو غانمين، وإن لزما الصمت بمنهج قضاء الحوائج بالكتمان وكذا فعلت الجهة المستضيفة.
يبدو وبوضوح أن هناك (تمريرة) طويلة قد لعبت، لا أعرف المرسل أو المستلم ولكن قطعاً وحتماً فإن هناك أمر ما لن تسعد به الحركة الشعبية أو عموم المعارضة، أمر قد يضع لبعض تصوراتها وطموحاتها اعتباراً ولكن ليس بالحجم الذي كان المتمردون يتوقعون أن يقاس به حجم ووزنهم. وقد كان طريفاً أن يقوم “عرمان” وقطاع الشمال أثناء زيارة “غندور” وبعدها للترويج إلى أن المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا قد دعا الحركة وأكرم وفادة “عرمان” وممثليه، وهذا غير صحيح فقد اصطحب “عرمان” كلاً من “أحمد العمدة” وأكاديمياً اسمه “أبو سعدية” عضوي الوفد المفاوض وهما مقيمان في بريتوريا إلى مأدبة دعا لها “جاكوب زوما” العشرات، ولم يكن لقاءً مرتباً خاصاً بالحركة الشعبية! لكنها طريقة الرجل في قلب الصور والمشاهد وعكسها.
التطورات المتصاعدة والتي تبشر بمؤشرات إيجابية لصالح الخرطوم ستصيب المتمردين بحالة ذهول لن يفيقون منها قريباً، وواضح لكل متابع أن الخرطوم وحكومة المؤتمر الوطني تحتاج إليها بعض الأطراف باعتبار السودان دولة وحكومة، وفي مثل هذه المعالجات والظروف يتم طحن الطرف الأضعف وهم هنا المتمردون بفصائلهم المختلفة والذين لا يزالون يراهنون بشعارات اتضح أن أغلبها لا يمت للواقع بصلة. واعتقد في هذا المقام أن رجلاً بوزن “الصادق المهدي” وخبرته وعلاقاته وقدرته على النظر للإمام، أعتقد أنه من الأوفق للرجل أن يعيد قراءة التطورات الجارية وأن يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
الضيف الأمريكي اليوم في الخرطوم، وبعدها سيطوف على جنوب أفريقيا وإثيوبيا، وربما يكون موفد أمريكي أخر قد حط في “جوبا”. وكل هذه إشارات إلى أن هناك تشكلاً جديداً لواقع ما، ليس بالضرورة أن يكون متفائل الخلاصات مئة بالمئة، لكنه على أي حال سيجعل كل الشكل السابق لخارطة توزيعات اللاعبين مختلفة، ستتعدل الخطط وطرق اللعب وربما الأزياء والقمصان وجوارب اللاعبين، بل ربما يتم تعديل تقسيمات الميدان ولهذا فإن على “عرمان” أن يوفر على نفسه هذه الرجاءات الملتاعة، فقد ضيع اللبن في صيف المفاوضات الماضية وأخشى أن يدخل الجولة المقبلة (أباطه والنجم) !.