الخرطوم للجميع
لا أعتقد أن أزمة انعدام الغاز التي تضرب الخرطوم حالياً ستُحل قريباً، قد تنفرج جزئياً مثل كل مرة وتمضي الأمور بسلاسة التي قد تتعقد مرة أخرى على حين غرة وقد تدخل سلعاً استهلاكية أخرى دائرة الأزمة وما تحت الخط الأحمر مثل الخبز وغيره، وهذا لأسباب معلومة منها اتساع دائرة الاستهلاك ونطاقه وغيرها من الأسباب التي بعضها موروث وبعضها حديث، ولكن ثمة سبب آخر أعتقد أن من المهم النظر فيه وقياسه وهو أن مجاورة ولاية الخرطوم وتوسطها لعدد من الولايات التي تعاني إشكاليات خدمية يجعل بعض المخصص للخرطوم من تلك السلع والخدمات متاحاً للآخرين، وهذه حقيقة يجب ألا تنكر وفي الوقت ألا تستنكر لأن الخرطوم هي السودان وهي العاصمة، وقطعاً فإن إمكانياتها أكبر وأفضل، ومن الطبيعي إن ألمت بولاية مجاورة ومتاخمة كرب أن تتكئ على حائط حكومة الخضر ولا تثريب في ذلك.
هذه الوضعية تحتم على حكومة الخرطوم التحسب والاحتياط لكل شيء، فإن كان استهلاك مواطني الولاية كتلة محددة من الأطنان لشيء معين، فالصحيح أن تتحسب الولاية برفع تلك النسبة في الميزانيات ومواعين التخزين لأنها ببساطة ستصرف على مواطني العاصمة وربما بعض الولايات الأخرى، ولذا لا يتعجبن أحد أن وصلت بواخر الغاز إلى “بورتسودان” ونقلت الحمولات إلى “الجيلي” و”الشجرة” وغيرها من المستودعات ثم تلاشت الشحنة ولم ير لها أحد أثر لأن حجم المنتظرين لتلك الشحنة ربما كان أكبر من تغطية الحمولة نفسها، هذا فضلاً عن إشكاليات الجزئية المفقودة بين شركات التوزيع ومنافذ البيع، إذ يصل الغاز أحياناً ولكنه لا يصل للمواطن المستهلك بالسرعة المطلوبة ولا بالأسعار المحددة، فيتعثر البيع وهنا يبدو أن ثمة شبهة بوجود منفذ آخر تذهب إليه السلعة بحيث ينال البائع سعراً أعلى وبشكل يحقق به ربحاً لا يتأتى بأسلوب البيع القديم.
ويبدو والله أعلم أن ولاية الخرطوم التي أعلنت أنها ستبيع الغاز في الميادين العامة قد وقعت على أثر كبير لشيء اضطرها لممارسة مهمة الوكيل والبائع للجمهور في وقت واحد، فلم تعد تملك خياراً سوى النزول بنفسها لاسيما أن شكل الأزمة قد اتسع وصار عاملاً لتهييج الرأي العام بنشر صور عن الصفوف وجمهرة المواطنين في انتظار حصتهم، وقد تداولت بعض وسائط الإعلام صوراً لحشود رابطت ليلاً وهي ترص أنابيب الغاز في منظر بخلاف غاية الأخبار فيه والسبق، فربما كان مقصوداً لذاته في سياق إثبات عجز مفترض على حكومة الولاية التي جعل الله قدرها أن تكون المشكلة فيها بعشرة مشكلات وأن تكون الأزمة بها بستين فيما غيرها من ولايات السودان.
أعتقد أن مثل هذه الطارئات من المهم التعامل معها بشكل يكسب المتعاطين فيها قدراً من القدرة على المرونة الفائقة في التحرك والمعالجة، بل والتنبؤ المبكر مع تقديم دفوعات موضوعية وليست من شاكلة أن (عطلة العيد) أربكت عمليات التوزيع، هذا قول مضحك وطريف.. ومستفز!