لسة !
يخلط بعض الناس حين يراقبون جولة للمفاوضات في أي مكان ولأي موضوع بين التدرج في المواقف وأطر الحلول وبين القفز مباشرة للتسوية النهائية، وبالنسبة لملف المنطقتين كحدث رئيس على المشهد السياسي والعسكري يجب التحلي بصبر رصين ورفع الضغوط المهتاجة من على كاهل الوفد الحكومي، فالأمر حسب ما نتابع في طور الوصول لاتفاق إطاري والذي في اعتقادي يعني مرحلة ترسيم الملعب وتحديد اللاعبين الرئيسيين وتسمية الموضوعات مثار العقد والحلول، وهي المرحلة التي حين يدخلها الطرفان ستعزل قضية دارفور كمسار مختلف وستعزل قضية المعارضة المدنية بالداخل لكون أنها ذات أجندة مختصة بالداخل تناقش فوق منصات الحوار الوطني أو وفق أي تواصل ثنائي حزبي مع المؤتمر الوطني في سياق التفاهم العام سياسياً.
للوصول لنقطة الاتفاق الإطاري سيجنح قطاع الشمال لأكبر قدر ممكن من التسويف والمماطلة وإرهاق الوفد الحكومي واختبار صبره بل واستفزازه لارتكاب مخالفة داخل منطقة جزاء القرار الأفريقي الراعي للمنبر، وحتى الآن يبدو أن البروفسور” إبراهيم غندور” يدير معركته ببرود إنجليزي جعل الطرف الآخر هو الأقرب لارتكاب المخاشنات مع الوفد الحكومي أو الوساطة نفسها التي غلب عليها ترجيح سياسة النفس الطويل فهي تعلم يقينا أنها تتعامل مع فصيل متمرد ضعيف البنية والقدرات مهزوز الثقة في مواقفه بالإجمال.
العملية التفاوضية من حيث التكتيكات ونصب الكمائن لا تزال على البر وحين دخولها نقطة الاتفاق الإطاري ستكون أكثر وضوحاً من حيث المطلوبات وسقوفات المطروح لأنها ستتقيد بأجندة واستفهامات فنية وعرض وافر في خيارات المطروح، حيث تملك الحكومة وفرة منها فيما لا يملك التمرد سوى مساحات ضيقة للمناورة، ولذا كلما صبر الناس وتحلي وفدنا كذلك أمكننا الوصول لتلك المرحلة حيث (الحشاش يملا شبكتو).
تدعيم الموقف التفاوضي للوفد الحكومي يتطلب إسناداً سياسياً من كل القوى الوطنية وتحديداً الكيانات الناشطة بالمنطقتين وليس مهماً أن تمثل تلك على طاولة المتفاوضين ولكن لها دورها على الأرض وبين الأهالي في ترجيح كفة الخيار السلمي، ومطلوب منها بشكل عاجل وملح أن تنشط في الدمازين وكادوقلي وما وراءهما من بلدات وقرى لتنوير الناس وشرح واقع ما يجري من أجل عزل نيران الحرب التي يصر بعض قادة التمرد أن تظل مشتعلة.
التفاوض عملية عسيرة ومرهقة وليست نزهة كما يظن البعض ويعتقد، والسلام سلعة غالية لا يظنن أحد اأنه قد يتحقق في جولة أو عشر جولات، فهو جنة حُفَّت بمكاره الغرض والأطماع وكون الحرب نفسها (بزنس) اقتصادي وسياسي وإعلامي لكثيرين تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى.