(المجهر) تقف ميدانياً على مجمل الأوضاع بـ(مستشفى الجنينة)
الأطباء تقدموا باستقالات جماعية
وزير الصحة بالولاية: الاستقالات الجماعية إدارياً غير معتمدة باعتبارها وجهاً من وجوه الابتزاز
نقص حاد في الكوادر الطبية المساعدة.. والمشرحة غير مطابقة للمواصفات!!
تردٍ غير مسبوق في الخدمات الصحية.. والمستشفى يستقبل يومياً (40) مريضاً بـ(الملاريا)!!
نقص حاد في الأوكسجين.. ولا يوجد قسم خاص بالأطفال حديثي الولادة!!
إنعدام (المراوح) بالعنابر.. وتردٍ بيئي بتراكم الأوساخ وأكوام النفايات!!
الجنينة – عبد الرحمن محمد أحمد
كشفت قضية استقالة عدد من أطباء مستشفى الجنينة بولاية غرب دارفور عن الأوضاع الصحية بعاصمة الولاية التي تعاني من إشكالات في الخدمات الصحية، وعدم توفر الاحتياجات الضرورية لإنسان المدينة من علاج وإسعاف وتداوٍ، حيث وصل الوضع الصحي بالجنينة مرحلة سيئة للغاية.. ولعكس الصورة بشكل متكامل قامت (المجهر) بجولة ميدانية للتعرف على الأوضاع الخاصة بالجانب الصحي، وزارت المستشفى وطافت على العنابر ووقفت على شكاوى المواطنين، واستطلعت المهتمين، مستصحبة رأي ذوي الصلة بطرح القضية ووضع الملف على طاولة مسؤولي الصحة بالوزارة.. التفاصيل يطالعها القارئ في النص أدناه.
{ عدوى مزدوجة
يشهد مستشفى مدينة الجنينة حالة من التردي غير مسبوقة في هذه الفترة، خاصة في مجال تقديم الخدمات الطبية للمواطنين والمرضى ورواد المستشفى الباحثين عن العلاج والشفاء، فالذي يقصدها وهو ينشد العلاج بسبب علة ألمت به تزداد حالته الصحية سوءاً، ليس ذلك فحسب فحتى من يأتي مرافقاً يصاب هو الآخر بعلة بسبب رحلة البحث عن جرعة دواء لمريضه الذي يرافقه.
أما خدمات الإمداد المائي داخل المستشفى فدائماً في حالة انقطاع، وخدمات الأوكسجين غير متوفرة، بجانب توقف بنك الدم عن تقديم خدماته، ثم أخيراً خروج قسم الأشعة عن الخدمة تماماً، ولا يوجد قسم للأطفال حديثي الولادة- غير مكتملي النمو– (حضانة)، كما أن قسم الأطفال توجد به خمسة عنابر (إثنان لسوء التغذية وواحد للأطفال حديثي الولادة، واثنان للحالات الأخرى)، وبه فقط (56) سريراً موزعة على العنابر الخمسة التي تحتاج لعناية فائقة.
{ حال يغني عن السؤال
وفيما يعنى بالعنابر فهي في كل الأوقات ممتلئة وتعاني من مشاكل النظافة والتهوية خاصة تلك التي بها تكدس مرافقين، ومعظم العنابر ليست بها إضاءة، والمراوح الموجودة للتهوية أغلبها معطل، أما التكييف فلا يوجد له أثر البتة على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة.. ولا يوجد سوى جهاز ليزر واحد فقط، واختصاصي واحد في قسم الأطفال وطبيب عمومي واحد وستة أطباء امتياز، فالمستشفى يعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية المساعدة من ممرضين ومساعدين طبيين.. أما مشرحة المستشفى فهي غير مطابقة للمواصفات، حيث تنعدم فيها المغسلة لتجهيز جثث الموتى ولا توجد ثلاجات لحفظ الجثث.
{ احتجاجات غاضبة
وعلى مستوى القائمين على أمر الصحة بالمستشفى، وهم الكادر الطبي من أطباء وفنيي مختبرات ومعامل وممرضين وسسترات وعمال، فالحال يغني عن السؤال.. الاستراحات وميز الأطباء يشهد سوءاً في الخدمات وحالته طاردة، بالإضافة إلى توقف الامتيازات والنثريات التي تقدر بـ(600) جنيه شهرياً لفترة تزيد عن الخمسة أشهر، وهناك مطالبة بتخصيص استراحات للطبيبات.
وعلى خلفية ما ورد ذكره جرت العديد من المشاكل والأزمات داخل المستشفى، تبدت في شكل احتجاجات غاضبة من قبل الكادر الطبي والمطالبة بتحسين أوضاعهم لكي يقوموا بأداء دورهم على أكمل وجه، حيث رفع الأطباء مذكرة ضافية وشاملة أوضحت جملة من هذه الإشكالات مطالبة بحلها، وسلمت نسخاً من المذكرة إلى السيد والي الولاية “حيدر قلوكوما” وأخرى إلى مدير عام وزارة الصحة بالولاية.
{ تفاصيل مذكرة المطالبات
أوردت المذكرة في تفاصيلها عدداً من المشاكل ولفتت انتباه المسؤولين إليها في مقدمتها: تردي بيئة العمل داخل المستشفى- ضعف خدمات الحوادث والإسعاف- عدم وجود قسم للعناية المكثفة- عدم توفر الأدوية المنقذة للحياة- لا يوجد قسم خاص بأمراض الأنف والأذن والحنجرة ويتم تحويل هذه الحالات إلى مستشفيات الخرطوم- انعدام (المراوح) بالعنابر وتردي خدمات صحة البيئة داخل المستشفى، وتراكم الأوساخ وأكوام النفايات والفضلات- سداد المطالبات المالية والمتأخرات والوفاء بدفع النثريات والحوافز والامتيازات- دعم غرف العمليات بأجهزة حديثة ومعدات متطورة مطابقة للمواصفات للحفاظ على سلامة المرضى- استقدام اختصاصي تخدير، فالموجودون أغلبهم فنيو تخدير ولا يوجد اختصاصي واحد في هذا المجال.
{ مريضان في سرير واحد
أيضاً، ومن ضمن الإشكالات التي يعانيها المستشفى، مشكلة التعقيم كيما يتأتى إجراء العمليات الجراحية بشكل جيد، لأن بعض العمليات يتم تأجيلها أحياناً بسبب انعدام الأوكسجين وأحياناً بسبب مشاكل التعقيم والتخدير، والمطالبة بإدخال سياسة تطوير الخدمات الطبية داخل المستشفى الذي أصبح غير مواكب للتغييرات التي طرأت في مجال الطب من حيث القصور والعجز في الأجهزة والأقسام، مما يجعل الأطباء في كثير من الأحيان يلجأون إلى تنويم مريضين في سرير واحد.. أما المباني الموجودة فكلها قديمة ومتهالكة، وشبكة الصرف الصحي لا تعمل بشكل جيد وكثيراً ما تطفح وتطفو أمام العنابر.
{ لا حياة لمن تنادي
ومع كل تلك الإشكالات الكبيرة والواضحة للعيان لم يحرك المدير العام لوزارة الصحة ساكناً، أو يعد بحل المشاكل والمبادرة بإصلاح حال المستشفى وتحسين أوضاعه، الأمر الذي جعل الأطباء يقدمون مذكرة أخرى ملحقة بالأولى واستصرخوا المسؤولين مرة أخرى، علهم يستجيبوا للنداء ويقفوا على واقع الحال ميدانياً بتفقد المستشفى والوقوف على أوضاع المرضى والعنابر والأقسام والاستراحات.
{ استقالات جماعية
تلى ذلك عقد اجتماع مع المدير العام الذي أوضح خلال لقائه بوفد الأطباء صعوبة حل تلك المشكلات في الوقت الراهن، وأنه ليس بمقدور الوزارة الاستجابة لكل تلك المطالب الأمر الذي دفع بالأطباء إلى الدخول في إضراب عن العمل، فضلاً عن تقديم (17) طبيباً استقالات جماعية احتجاجاً على تدهور الوضع الصحي، ووضعوها أمام منضدة المدير العام.. ومع ذلك ما زالوا يواصلون أعمالهم وأداء دورهم الإنساني حتى يوم أمس.
لكن كان رد فعل الوزارة إصدار قرار بإيقاف جميع الأطباء الذين قدموا استقالاتهم عقوبة لهم، في وقت يستقبل فيه المستشفى يومياً عدداً كبيراً من المواطنين الذين يفدون إليه من داخل المدينة وخارجها طلباً للعلاج ويصل عددهم يومياً إلى (180) حالة بينها (40) حالة إصابة بـ(الملاريا)، بينما المستشفى حالياً لا يقدم سوى الإسعافات الأولية.
{ الوزير ينفي الاتهامات
وزير الصحة بولاية غرب دارفور “أسامة آدم أبكر” أشار في تعليقه على هذه المشاكل بالتعقيب على حادثة الاستقالات الجماعية للأطباء قائلاً إن الاستقالات الجماعية إدارياً غير معتمدة لأنها تشكل وجهاً من وجوه الابتزاز والضغط لأغراض سياسية وليس لأسباب واعتبارات خدمية تتعلق بالمشكلة التي يعاني منها المستشفى، وأضاف إن وزارته تبذل جهداً جباراً لحل المشاكل خلال (45) يوماً بالتنسيق مع حكومة الولاية التي تبدي اهتماماً بالغاً بالوضع الصحي وبإنسان غرب دارفور على وجه الخصوص، موضحاً أن الإشكالات الطفيفة التي تواجه المستشفى قد تم حلها على مستوى وزارته، نافياً ما تردد عن أن وزارته لا تعترف بتلك المشاكل.
{ استدراك
ثم استدرك (وزير الصحة) بقوله إن الوضع ليس بالسوء الذي تعكسه بعض الجهات حالياً، مؤكداً أن العمل بالمستشفى يسير بشكل جيد، ويستقبل المستشفى المرضى على مدار اليوم.