(واحد وعشرون أكتوبر) شارع الصحافة والوراقين
توثيق _ آيات مبارك
عند رؤيتي لـ(لافتة شارع 21 أكتوبر) وخزتني حرارة أنفاس أقدام تسير بقوة في ثورة خلدها التاريخ.. تذكرت حينها الروائي الجزائري “واسيني الأعرج” في (مرثية الجمعة الحزين) الذي سرقت بكف خفية سيدة المقام محبوبته “مريم” من حضن الحياة الرحب فقال: (إن الرصاصة هي كتلة من الموت تنطلق من فوهة بركان ثائر تخترق في طريقها أفراحنا, ضحكاتنا وكل الأمنيات حينما كنا نسير في طرقات كانت لنا يوماً ما، كل حجارتها وأزقتها وأشجارها).. لكن أقدامي الممغنطة الإيقاع على الخطو في هذا الطريق، ربما كانت تدري أنه (21) أكتوبر لكنها ألفته بفعل المشوار اليومي، فقد كنت أضع في حسباني أن شارع الجامعة يمكن أن يكون هو شارع أكتوبر.. لكن عندما هاجمت خيالي تلك الحشود وهي تنتظر أمام المشرحة انتظاراً لجنازة الشهيد “القرشي”، أدركت حينها سر هذا الشارع الذي وجد نصيبه من التسميات، فيبدو أن الجهات المعنية كانت تقصد المشرحة أو المسيرة التي دارت حول مستشفى الخرطوم عندما تجمهر الطلاب بغرض نقل جثمان “القرشي” إلى الجامعة واصطدموا مع قوات الشرطة ليحملوه في موكب من (شارع الاسبتالية) مروراً بـ(كوبري الحرية) متجهين به إلى (ساحة ميدان عبد المنعم).. إذن هي نفس الطرقات.
(21 أكتوبر) للصحف والوراقين
هذا الشارع الذي سمي بتلك الثورة يتمدد على ظهر الخرطوم من شرقها وحتى حدود غربها ابتداءً من (شارع القيادة) و(قاعة الشهيد الزبير)… (مسجد القوات المسلحة) …(مركز الشهيدة سلمى لغسيل الكلي) وبعض مباني المؤسسات العسكرية بالخرطوم شرق ثم(المركز الثقافي الفرنسي) و(مسطبة الفرنسي).. التي أصبحت مع (مغربية) كل يوم مجمعاً لأهل الفكر والثقافة ثم طالبي العلم الذين يتداولون الشأن العام، ملتفين حول (حاجة حواء ست الشاي) و”حمرية” وبعض العشاق الذين يلسعهم مذاق (الشاي باللبن مع الزلابية).. مقابلة لهذا المشهد هناك (صحيفة الصحافة) ثم “علوية” (ست الشاي) بروادها من المثقفين والأدباء بمعية شيخ الشعراء “عبد الله شابو” ثم (صحيفة الكاريكاتير والناس) و(المجهر) التي تقع في (شارع علي دينار) فـ(شارع واحد وعشرين أكتوبر) اصطفت الكثير من الصحف على زواياه وتقاطعاته، وما زالت (إعلانات الأنباء) ،(مبنى صحيفة الأسبوع) باقيين وسط الشارع.. (صحيفة الخرطوم) التي أصبحت (الأخبار) ثم (الحرة) التي يسبقها (المجلس الهندسي) ثم (اليوم التالي) وحتى صحيفة (الوسيط الإعلانية) ولم تبتعد عنها (الدار) ،(أخبار اليوم)، (الانتباهة) و(الجريدة).. كلها آثرت الالتفاف حول هذا الشارع.. إن لم تقع فيه.
ثم بعد ذلك تأتي (أرصفة الوراقين)، بائعي الكتب والمجلات، الذين يجلسون على رصيف مدرسة الاتحاد العليا ومدارس وملاعب (كمبوني) بـ(كراسي حلاقيها) وبعض النقوش والرسوم التشكيلية على جدرانها، ثم (شارع القصر)، (مجمع فتح الرحمن البشير)، ليمتد حتى (السوق العربي) المليء بالمحال التجارية.. والبنايات الضخمة كـ(أبراج بنك الخرطوم) ،(عمارة السلام) ،(عمارة الإمارات) ثم (سوق الكهرباء) ،(المطابع) ،(مطبعة التمدن العتيقة) ،(مدرسة الراهبات)، ويمر يمين صحيفة (الرأي العام) وعمارة (الفيحاء)، إلى صحيفة (ألوان) وبعض المطاعم والكافيتريات حتى استاد الخرطوم، لينتهي عند مباني جامعة السودان.
هذه المباني وبعض الأماكن المهمة التي اختارت هذا الشارع، وهمهمات المارة متسكعيه وحكاياه الطويلة.. هل يا ترى استطاعت أن تحفظ بعض ذكرى أكتوبر أو تعيد إنتاج ما مضى بطريقة أو أخرى عن ثورة لا زال لهيب أنفاسها يشتعل في قلوب معاصريها بحكاياتها وملاحمها الغنائية؟؟