ولنا رأي

قصة ماسح أحذية اسمه "كابايا"!

ما أروع هذا الشعب السوداني  فدائماً نكتشف أننا أمة عظيمة ولكن لم نجد من يمسك بيد أولئك المبدعين للمفاخرة بهم أمام العالم، فالمتعلم يقدم كل إمكانياته وقدراته حتى إنجازاته على المستوى الشخصي، فكم من مبدع لم يجد الاهتمام بما توصل إليه وهم كثر.
جلست بالأمس تحت مظلة لمسح حذائي بمنطقة الشهداء أم درمان فوجدت مجموعة من الشباب ماسحي الأحذية، تفحصت في عيونهم فتأكد لي أن الفقر والحرمان هو الذي دفع بهم إلى هذه المهنة. ورغم وضاعتها ولكن هناك سر دفين في أولئك الشباب، أدرت معه حواراً ممتازاً، بدأ حياته بممارستها بحواري الشهداء وميدان البحيرة ومن ثم انتقل إلى رابطة بيت المال، فبرع في أشبالها وكان حريفاً من خلال حديثه فلم أشك فيه، لأن بنيته الجسمانية تدل على أنه لاعب كرة قدم ممتاز.
سألته لماذا لم يواصل في الأندية الممتازة كالهلال والمريخ وغيرها من الفرق؟ قال لي هذه فرق لا يستطيع أن يصلها مثلنا، فسماسرة الكرة لا يمكن أن (يوصلوك) إلى تلك الأندية ما لم تدفع لهم، قال لي تشوف جلاليبهم البيضاء وعممهم الكبيرة تقول أصحاب الأندية.
سألته ألم يمنحك النادي مبلغاً محترماً من المال؟ رد علىَّ وعلامة الدهشة مرتسمة في وجهه قروش..؟، ديل بدونا في الأسبوع ثلاثين جنيهاً أو كوباً من اللبن وباسطة ويقولوا ليك اتخارج.
“أحمد” أو (كابايا) وهو اللقب الكروي الذي منح له في رابطة بيت المال قال لي: أزمة الكرة السودانية في أولئك السماسرة ولن تقوم للكرة السودانية قائمة إلا بإبعاد أولئك السماسرة الذين يزينون للأندية، أن فلاناً أفضل لاعب وفلان خطير، وبعد أن يقبضوا الثمن فيجلس اللاعب في دكة البدلاء لفترة من الزمن ومن ثم يتم شطبه، وتفقد الرياضة أحياناً لاعبين ممتازين لم يسلط عليهم الضوء بسبب أولئك السماسرة. ظللت أتابع ذلك الشاب بكل أحاسيسي فرغم أنه ترك المدرسة من الصف السابع نظراً لحبه لكرة القدم ولكن لم يجنِ منها إلا السراب.
سألته: ولماذا أنت تعمل ماسح أحذية؟ قال لي: أكل عيش… لدي أبناء أود تربيتهم. سألته: إن كان العمل يدر عليه مبلغاً يقضي حوائجه؟ قال: المحلية تأخذ جنيهين على الكرسي و(180) جنيهاً على المكان الذي تجلس عليه، وأحياناً تصل جبايات المحلية أكثر من خمسمائة جنيه في الشهر. ولكن في النهاية مستورة بعد الأكل والشرب  الواحد بيوفر عشرين ثلاثين جنيهاً في اليوم.
الذي أدهشني في هذا الشاب أنه يتمتع بثقافة عالية ومطلع على الصحف ومتابع لما يجري على الساحة السياسية.. قال لي بعد نهاية عمله يذهب إلى المدرسة الإنجيلية فهو يدرس لغة إنجليزية فيها يحاول أن يؤهل نفسه  للمستقبل، لأن هذا العمل لا مستقبل له والأبناء إذا كبروا تكبر طلباتهم والتعليم يحتاج إلى مصاريف كثيرة، الآن ثلاثة أطفال بالمدرسة الإنجيلية كل تلميذ تكلفة تعليمه تقدر بـ(160) جنيهاً شهرياً فإذا وصل المرحلة الثانوية يحتاج إلى مصاريف أكثر، وإذا دعته الظروف ربما يهاجر حتى يضمن تعليم أبنائه. هذا واحد من قاع المدينة علمته الحياة كيف يسايرها وكيف يخاطب الناس، فإذا توفرت له الإمكانيات ربما كان أفضل من “هيثم مصطفى” أو “كاريكا” أو “نزار” أو غيرهم من لاعبي كرة القدم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية