الموت يلاحق أهالي (الحديبة) – العيلفون بعلم السلطات
تحيا (الكتاكيت) ويموت (الإنسان)
تحقيق – صلاح حمد مضوي
لم يتصور أحد من أبناء هذه المنطقة الوادعة التي ترقد على ضفة النيل الأزرق الشرقية أن يلاحقهم الموت وهم نيام في أسرتهم. تعطلت الوظائف الحيوية لرئات الأطفال وبكت النساء واعتصر الألم قلوب رجالها، لقد انتشرت الأمراض الصدرية وفتكت بالجميع، ولم تشفع تقارير وزارة الصحة- بحسب المستندات التي تحصلت عليها الصحيفة- في حل هذه الكارثة الصحية التي فتكت بأجساد الأبرياء، فالمزرعة الضخمة للدواجن الموجودة بين مساكنهم هي سبب معاناتهم وألمهم، ومع أن الجهات المختصة أقرت بعدالة قضيتهم حيث وجهت بإزالة المزرعة إلا أنَّ الموت ما يزال يلاحقهم بسبب عدم التنفيذ.
مواطنون يحكون ألمهم:
في الجانب الشمالي الشرقي لقرية (الحديبة) بالعيلفون –محلية شرق النيل توجد مزرعة الدواجن تلك، وهي تبعد (70) متراً فقط عن المنازل، وبعد اتصال الأهالي بالصحيفة ذهبنا إلى هناك، وعلى الفور أخذنا طبيب القرية إلى حالتي مرض بـ(الأزمة) يقوم بمتابعتها، دلفنا أولاً إلى منزل المواطنة “رحاب جاد كريم محمد” والتي بحسب المستندات التي قدمتها الصادرة من (مستشفى الشعب التعليمي) وممهورة بتوقيع الدكتور “عبد الرحيم الخليفة” تفيد بأنها تعاني من (الربو الشعبي) منذ (3) أعوام، الأمر الذي تطلب حجزها بالمستشفى لمرات عديدة، احتاجت في إحداها للحجز بغرفة العناية المكثفة. وأوصى الأطباء بابتعادها عن مهيجات (الأزمة) من (مخلفات الحيوانات والطيور والبخور والعطور). أما الحالة الأخرى التي تسبب فيها وجود مزرعة الدواجن فهي المريضة “طيبة فضل المولى محمد حسن” وهي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال ظلت مريضة منذ عامين، وهي أجرت فحص للرئة في مستشفى (الزيتونة) وكذلك بمستشفى (الشعب)، وكانت نتيجة الفحص كالآتي (وظائف الرئة لا تعمل جيداً، كما يوجد ضيق بالشرايين)، وحينما تشم هذه المريضة الروائح الكريهة يغمى عليها وتسقط على الأرض فاقدة للوعي.
قرية تتنفس عبر أنابيب الأكسجين:
المشرف على الوحدة الصحية بالقرية “خضر أحمد بخيت” أكد أنَّ (التقارير الطبية توضح بجلاء أنَّ الأمراض التي ظهرت بالقرية مثل أمراض الحساسية والربو وأمراض العيون تعود أسبابها لهذه المزرعة، واضطررنا لتوفير أنابيب أكسجين بالوحدة الصحية لمقابلة الحالات المرضية المتزايدة ولا تتوقف حالات الإصابة بالحساسية وأمراض الرئة الأخرى عند شخصين أو عشرة بل امتدت لغالبية أهل القرية، منهم “بخيتة المطرفي عمر” فهي أصيبت بالحساسية، كما أصيب أطفالها). وتقول الطفلة “هبة إدريس” التي تدرس بالصف الثاني إنها أصيبت منذ أن بلغت الرابعة. أما “نوال محمد عمر” وهي ربة منزل فهذه لم تتوقف الإصابة عليها لوحدها بل أصيبت بحساسية الصدر ابنة اختها وكذلك زوجها. وتحكي “فاطمة حسن بركات” التي تبلغ من العمر (70) سنة التي بالكاد تتحرك جراء إصابتها بالربو الشعبي أنها لا تستطيع النوم ليلاً وتظل تعطس حتى شروق الشمس. كما تعاني “عواطف محمد علي” ومنزلها يجاور مزرعة الدواجن ذات المعاناة وتقول: (نحن لانستطيع النوم في حوش المنزل، وأنا مصابة بأزمة شديدة). وترفع “سلمى مضوي موسى” أكفها إلى السماء راجية إنصاف رب العباد كما تقول، دون أن تنسى تذكيرنا بأنها هي الأخرى مصابة بحساسية الصدر.
(3) حالات وفاة بالقرية:
يقول المواطن “صلاح المطرفي” إن والده ظل يعاني جراء إصابته بالربو الشعبي ثم فاضت روحه إلى بارئها، ولحقت به الوالدة “الحاجة الشيخ إدريس”، كما توفي المواطن “أحمد محمد نور بركات” الذي أصيب ابنه (علي) بذات إصابة والده المتوفى، كما توفي أحد شباب القرية متأثراً بالربو الشعبي.
شكاوى تذهب أدراج الرياح:
يقول المواطن “صلاح المطرفي”:(تقدمنا نحن أهالي (الحديبة) بشكوى لعدة جهات بالدولة وهي جميعها أقرت بعدالة قضيتنا منها محلية العيلفون التي تحملت مسؤوليتها ووجهت بإزالة حظيرة الدواجن سبب المشكلة إلا أن المؤسف كان في عدم تنفيذ هذا القرار، بعدها- والحديث ما زال لصلاح- تقدمنا بشكوى لوزارة الزراعة بالولاية حيث وجه الوزير بتكوين لجنة تقوم برفع تقريرها اليه شخصيا ،وبعدهاتم رفع شكوى لهيئة المواصفات والمقاييس، وأخرى لوزارة الصحة الاتحادية عبر الدكتور “كمال عبد القادر”، الذي أحال الأمر إلى صحة البيئة بالولاية والتي بدورها قامت بإرسال أحد موظفيها وهو بدوره مشكوراً قام بواجبه تماماً). وتوالت احتجاجات أهالي (الحديبة) الذين نصبوا خيامهم حينا وفي أحيان أخرى وقفوا محتجين، ومع إحساسهم بالظلم البين الذي وقع عليهم يقول بعضهم إنهم لم يكن يتخيلوا أن يُحرموا حتى من الهواء الطبيعي الذي وهبه لهم الله، ووقفت محلية شرق النيل إلى جانب حقهم الطبيعي في الحياة، وفعل ذلك نائب الدائرة وكذلك عضو المجلس التشريعي، ولكن لأسباب لا يعلمونها وقف قرار الإزالة دون تنفيذ، وتمضي الأيام بهم وهم يستنشقون السموم صباح مساء، أطفالاً ونساء وشيوخاً.
مكاتبات حكومية واختفاء تقرير:
وكانت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بولاية الخرطوم ممثلة في الإدارة العامة لتنمية الإنتاج الحيواني أصدرت إفادة موجهة إلى قاضي المحكمة العامة والمشرف على محاكم (العيلفون) بتاريخ (30/3/2014) بخصوص موضوع الإفادة عن التقارير الخاصة باللجنة التي تم تكوينها بتاريخ (22/8/2010) بخصوص تظلم أهالي قرية (الحديبة) بالعيلفون، وأفاد المكتوب الرسمي بما يلي (بالإشارة لخطابكم لنا بالنمرة (م/ج/ع/2/7) بتاريخ (16/3/2014) والخاص بتظلم أهالي قرية (الحديبة) جنوب العيلفون، نفيد سيادتكم بأنه لم يتم العثور على تقارير اللجنة المكونة بتاريخ (22/8/2010) والمكلفة بكتابة تقرير مفصل عن الأضرار الصحية الناتجة عن نفايات إحدى شركات الدواجن جوار القرية، ويمكن تشكيل لجنة جديدة بهذا الخصوص لكتابة تقرير مفصل وإفادة سيادتكم بذلك. ولكم فائق الشكر. د.”فاطمة مهيد بانقا” – مدير الإدارة العامة لتنمية الإنتاج الحيواني.”، وما يثير الدهشة هنا هو كيفية اختفاء هذا التقرير المهم الذي أنصف أهالي القرية، دون أن يحرك ذلك ساكناً لدى وزارة الزراعة، بل السؤال المهم هو لماذا لم تحقق الوزارة في ضياع هذا التقرير الذي تتوقف عليه أرواح بريئة أتاها الضرر إلى داخل منازلها.
وزير الزراعة يعد بحل القضية:
وعقب تنظيمهم لوقفة احتجاجية أمس (الأربعاء) أمام وزارة الزراعة بولاية الخرطوم التقى الوزير الأهالي المحتجين واعداً إياهم بحل القضية حلاً جذرياً يصب في مصلحتهم. وقال لهم بأنه سيزور المنطقة يوم (الأحد) المقبل للوقوف على المشكلة بنفسه وعلى الطبيعة، بينما تمسك الأهالي بحل وحيد يرونه مرضياً لهم وينهي معاناتهم إلى الابد وهو إزالة المزرعة القابعة بجوار منازلهم بشكل نهائي.