التفاصيل الكاملة لخطاب "بدرين" حول السودان في "جنيف" وكواليس الاجتماع
ما بين استرضاء المجتمع الدولي والضمير ..
“بدرين” يبرئ الحكومة .. ومرافعة قوية لدوسة تلوح بوقف التعاون مع المبعوث القادم
جنيف – تقرير – يوسف عبد المنان
حالة من السد والجذب شهدتها قاعة اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، والخبير المستقل “مشهود بدرين” يتأهب لتلاوة خطابه بشأن أوضاع حقوق الإنسان في السودان، حضور كبير للوفود الأوروبية وواشطن. الحكومة شكلت حضوراً رفيعاً ترأسه وزير العدل الكل، كان يترقب مفاجآت التأجيل المفاجئ للخطاب أول أمس إلى يوم أمس الأربعاء. (المجهر) رصدت من أروقة مقر الاجتماعات ساعات ما قبل وبعد الخطاب.
بدا الخبير المستقل “مشهود بدرين” متوازناً ما بين طرفي المعادلة وهو يلقي خطبة الوداع الأخير في مجلس حقوق الإنسان عن الفترة من أكتوبر 2013 إلى يوليو عام 2014. وتبدت الضغوط التي انهالت على الرجل من عدت جبهات ماثلة في مخرجات حروف كلماته التي خرجت بعسر شديد وهو يشيد بتعاون الحكومة السودانية في مهمته الأخيرة وطلبه من المجتمع الدولي رفع الحصار عن السودان باعتباره الأبلغ أثراً في تعميق الفجوة بين الفقراء والأغنياء واعترافه بأنَّ المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بوزارة العدل يتمتع باستقلالية تجعله مؤهلاً للعب دور في ترقية أوضاع حقوق الإنسان. وقال “بدرين”: (هذا تقريري الثالث منذ أكتوبر الماضي وعملاً بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم (248) فقد غطت زياراتي للسودان الخرطوم ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودخلت في حوارات مع الحكومة والأحزاب والأفراد ووجدت انفتاحاً من الحكومة وتعاوناً منها وقد لاحظت أن الحكومة سنت بعض التشريعات كقانون منع اﻻتجار بالبشر وخطة عشرية لترقية حقوق الإنسان مما يستدعي قيام المجتمع الدولي بدوره في دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وضرورة مساعدة وزارة التعليم في إدراج منهج عن حقوق الإنسان في المقررات الدراسية مما يؤدي لتحسين أوضاع حقوق الإنسان والخروقات).
اختلاف في الشكل والمضمون ..
قال “بدرين” في خطابه الشفهي الذي اختلف شكلاً ومضموناً عن الخطاب المودع منضدة المجلس، وقال: (إن الاعتداءات على حقوق الإنسان تمثلت في قتل المتظاهرين في أحداث سبتمبر العام الماضي وإطلاق النار على طالب بجامعة الخرطوم وقتله وتشريد المدنيين وتعليق نشاطات الصليب الأحمر في فبراير الماضي، وقد استجابت الحكومة لنداءات وجهت لها وأسقطت عقوبة الإعدام بحق “مريم إبراهيم” وأطلقت سراح “محمد صلاح” ثم اتخذت أخيراً قراراً بإطلاق سراح “إبراهيم الشيخ” وعلمت لاحقاً أن الإفراج عن سجناء آخرين أطلق سراحهم، وتم رفع حظر نشاط الصليب الدولي). ودعا “بدرين” لتكوين لجنة تحقيق قضائية بشأن أحداث سبتمبر على أن يكون التحقيق علنياً ويشرف عليه الاتحاد الأفريقي. وطالب بتعديل قانون جهاز الأمن والكف عن رقابة الصحف ورفع التقييد على منظمات المجتمع المدني. وعن الوضع في جنوب كردفان ودارفور قال إنها تعاني من النزاعات المتجددة والقتال القبلي وقد ارتكبت مجموعة في دارفور جريمة اغتصاب بحق منسوبات لقوات (اليوناميد) التي جاءت لحماية دارفور إلا أن السلطات السودانية ألقت القبض على العصابة وتمت محاكمتها بالسجن. ومضى “بدرين” في تقريره إلى أن النزاعات في جنوب كردفان تمثل سبباً لانتهاكات حقوق الإنسان. ودعا المجتمع الدولي لتقديم مساعدات لمركز المرأة بوزارة الرعاية ومكتب مدعي جرائم دارفور ولجان المصالحات وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وقد رصد اﻻتحاد الأوروبي مبلغ (13) مليون دولار ودولة قطر رصدت (88) مليون دولار لبناء إقليم دارفور بتوطين النازحين. وفي ختام كلمته جدد عزمه على تقديم استقالته لأسباب شخصية وعائلية.
الحكومة تلوح بوقف التعاون مع المبعوث الجديد..
حينما منح رئيس مجلس حقوق الإنسان خمس دقائق فقط لوزير العدل للتعقيب على تقرير “بدرين” الشفاهي أومأ السفير “دفع الله الحاج” برأسه تعجباً وهو الخبير بدروب لعبة الأمم وخفايا وأسرار مثل هذه المجالس، لكن وزير العدل الذي ارتدى بدلة رمادية ربما تعبيراً عن حالة العلاقة مع مجلس حقوق الإنسان لوح في كلمته بمراجعة السودان لتجربة الخبير المستقل والذي لم يلتزم ببنود الفصل العاشر المساعدات الفنية. وقال الوزير إن السودان يتقدم بخطى حثيثة نحو الوفاق الوطني بعد إطلاق الرئيس مبادرة الحوار في فبراير الماضي وتكوين آلية (7 + 7) للاتصال بالحركات المسلحة والتعاون والتناصر بين السودانيين والاتفاق على إجراءات بناء الثقة وتأمين حرية النشر والتعبير. وقد أنهى السودان أطول الحروبات في أفريقيا من خلال اتفاقية السلام ورغم تعاون السودان مع الخبير المستقل لكن بكل أسف لم يتلقَّ السودان أية مساعدات فنية ولم تستفد الحكومة أي شي من فترة ولاية الخبير المستقل وهي الآن تدرس التجربة لاتخاذ القرار المناسب. وقال الوزير ليست هناك انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في البلاد وأن أوضاع النازحين مستقرة وهناك عودة طوعية للنازحين وقررت الحكومة عودة الصليب الأحمر بعد توقيع اتفاق معه. وقال “دوسة” إن السودان تأثر بالعقوبات الأمريكية والشعب السوداني يعاني والخبير المستقل لم يذكر ذلك في تقريره. وأضاف الوزير: (بكل أسف لم نتسلم رداً واحداً بشأن مطالبتنا بحقوقنا في المساعدات الفنية) وأبدى السودان أسفه لما يحدث في جنوب السودان من قتال مما نجم عنه فرار آلاف اللاجئين إلى أراضيه.
أمريكا حضور طاغٍ !!
لقد أضحت الولايات المتحدة الأمريكية من يقود القارة الأوروبية العجوز وأمس تجلى راعي البقر الأمريكي وهو يتحدث نيابة عن (24) دولة أوروبية وكالت أمريكا للسودان الاتهامات بلغة أكثر حدة من جميع الدول حينما قالت إنها ترحب بالحوار الوطني وتشجع السودان لاتخاذ خطوات أكثر جدية لتحقيق السلام. ودعت الحكومة للتعاون مع الخبير المستقل بما في ذلك لقاء السجناء والمعتقلين وإطلاق حق التعبير وحرية الصحافة دون رقابة ووقف الاعتقالات والتعذيب والسماح للمنظمات بدخول جنوب كردفان دون فرض قيود عليها ومساءلة بعض المسؤولين عن بعض الجرائم التي ارتكبت وإلغاء المادة (126) من القانون الجنائي المعروفة بحد الردة ودعم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان. وقالت أمريكا إنها تنوب عن (24) دولة من أستراليا من القارة الصفراء وكندا وبقية دول الاتحاد الأوروبي.
ولكن الأوروبيين لم يكتفوا ببيان السيد الأمريكي بل آثر الاتحاد الأوروبي
تلاوة بيان آخر، قال فيه إنه يرحب بالحوار الوطني وإطلاق سراح المعتقلين ويعرب عن قلقه لأحداث سبتمبر العام الماضي مما يستدعي تكوين لجنة تحقيق في الأحداث ويدين الانتهاكات في جنوب كردفان والعنف الجنسي وتجنيد القاصرين. ورحب بقرار المحكمة بشأن “مريم يحيى” وطالب بحذف مادة الردة.
الدول العربية تدعم ..
نيابة عن الدول العربية تحدثت الإمارات العربية المتحدة وعبرت عن ارتياحها لتعاون السودان مع الخبير المستقل وتنظر الدول العربية بارتياح كبير لقرار الرئيس “البشير” بإعلان بدء الحوار الوطني. وجاءت كلمة العرب وتنوب عنهم الإمارات بمثابة إعلان جهير عن حسن العلاقة من الخليج. وقالت المجموعة الأفريقية التي أنابت عنها إثيوبيا إن السودان يتقدم خطوات في مجال حقوق الإنسان ورحبت أفريقيا بتعاون السودان والخبير المستقل.
مصالحة دوسة و”بدرين”..
شهدت نهاية جلسة أمس نهاية القطيعة الشخصية بين وزير العدل “دوسة” والمبعوث “مشهود بدرين” حيث أقبل “دوسة” على “بدرين” في عناق حميم خاصة وأن “بدرين” قد دعا علناً لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان وتحدث بإيجابية عن الوضع في البلاد. وكان “دوسة” قد اعتذر عن لقاء “بدرين” في آخر زيارة له للسودان، كما رفض في جنيف لقاء “بدرين” وبعث بوكيل العدل “عصام عبد القادر” احتجاجاً على مواقف “بدرين” وهي رسالة بلغت “بدرين” غير أن مطر الأمس في جنيف وخطاب “بدرين” وجد ارتياحاً وسط السودانيين قد غسل درن الأمس وتصافى الرجلان وذهب كل في سبيله وربما لا يلتقيان بعد الأمس.