هل ستصبح سياسة رفع الدعم عن السلع مرة أخرى أمراً واقعاً ؟!
الخبراء يُشرحون الأولويات لتنفيذ الحزمة.. والشارع يحذر من تبعات القرار
الخرطوم ـ رقية ابوشوك
أثار حديث وزير المالية والاقتصاد الوطني “بدر الدين محمود” أمس الأول (السبت) أمام مؤتمر القطاع الاقتصادي بولاية الخرطوم عن استمرار الحكومة في سياسة رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، أثار ردود أفعال واسعة في الشارع السوداني ما بين مستنكرين ومتعجبين. الاستنكار جاء في أنَّ تنفيذ الخطوة في الوقت الحالي في ظل الأوضاع التي يمر بها الاقتصاد السوداني حيث وصفوه بالمتعثر والمشلول، وأنه غير قادر على الوقوف على رجليه في ضعف الإنتاج. عدد من المواطنين دقوا ناقوس الخطر بأن أي حديث عن رفع الدعم في الوقت الحالي سينعكس بصورة مباشرة على أوضاعهم وسيؤدى إلى ازدياد نسبة الفقر في السودان التي اتسعت الآن. وأشاروا إلى أنَّ الدعم الذي يتحدث عنه الوزير غير محسوس إلا أنَّ الحديث عن رفعه سيؤثر على السوق مباشرة وسيؤدى إلى ارتفاع الأسعار. وطالبوا في الوقت ذاته الحكومة بالتدخل العاجل وإيقاف وتيرة ارتفاع الأسعار وإرجاعها إلى نصابها وذلك بدل الحديث عن رفع الدعم. وما بين محاذير المواطنين ونصائح الخبرة هل تقوى الحكومة على تنفيذ ثانٍ لسياسة رفع الدعم عن السلع؟.
لا دعم في الأصل !!
عدد من الخبراء الاقتصاديين قالوا إنَّ معظم السلع الاستهلاكية التي تحدث عنها وزير المالية غير مدعومة في الأصلـ وذلك في ما عدا المحروقات والقمح وبعض الأشياء غير المحسوسة. وتساءلوا عن انعكاسات رفع النسبة المتبقية من دعم المحروقات على الواقع المعيشي للمواطنين. وأشاروا إلى أنه عندما تم رفع الدعم العام الماضي عن المحروقات انعكس ذلك على مناحي الحياة المختلفة، حيث أثر على السوق والنقل وكل الأشياء ذات العلاقة المباشرة بالمحروقات. وقالوا إنَّ الوضع الاقتصادي في السودان لم يصل مرحلة رفع الدعم عنه وأنَّ الدول ذات الاقتصاد النامي جداً مازالت تطبق سياسة الدعم فأمريكا ما زالت تدعم الزراعة ناهيك عن السلع الاستهلاكية.
إلى ذلك تشير (المجهر) إلى الإصلاحات الاقتصادية إلى وضعتها وزارة المالية عقب الإعلان عن رفع الدعم عن المحروقات. وقالت وقتها أنَّ السياسة ستظهر نتائجها ليس الآن ولكن بعد شهور قليلة وسيجني كل الشعب السوداني نتائج رفع الدعم عن المحروقات الآن قارب رفع الدعم عن المحروقات العام ولا جديد، حيث تم الإعلان عنه سبتمبر من العام الماضي حيث شهد موجة من الاحتجاجات من قبل المواطنين على هذه السياسة وقتها.
انتظار نتائج رفع الدعم !!
وفي سياق متصل أكد المواطنون هنا أنهم مازالوا في انتظار نتائج رفع الدعم ومازالوا كذلك فى انتظار توجيه عائد الدعم إلى الفقراء وعلى حد قولهم إنَّ مساحة الفقر بالسودان اتسعت الآن وستزداد أكثر لأن الأوضاع الاقتصادية المعروفة للجميع ستزيد منها لأن الأسعار مرتفعة وكل شيء في ارتفاع وتساءلوا عن دور البرلمان الذي جاء عن طريق الشعب في حماية الشعب من الغلاء وحمايته من الاتجاه في رفع الدعم والاستمرار في هذه السياسة. وأشادوا في الوقت نفسه بالدور الكبير الذي لعبه أئمة المساجد في التنبيه لموجة الغلاء التي اجتاحت البلاد وحديثهم عن القوانين الخاصة بالأسواق وأضافوا: (نشكرهم جدا وهم جزء من الشعب)، مؤكدين أنَّ حديثهم سيكون له معاني ودلالات لكونهم يخاطبون الحكومة من مواقع المسؤولية.
وزير الدولة بوزارة المالية الأسبق د.”عز الدين إبراهيم” قال إنَّ سياسة رفع الدعم تعتبر سياسة عامة للدولة لم يتم تحديد زمن لتطبيقها، مشيراً إلى السلع المدعومة شملت المحروقات والقمح والكهرباء وبعض المستوردات بالإضافة إلى المياه بالولايات وصندوق دعم الطلاب والعلاج. د. “عز الدين” يرى أنَّ الدعم في الغالب تستفيد منه طبقة الأغنياء قبل الفقراء خاصة المحروقات وكذلك الكهرباء. وقال إنَّ الفقير يشترى الكهرباء فقط بـ (5) جنيهات ولكن الأغنياء هم المستفيدون من الدعم. وقال: (الأغنياء بجاه الفقراء يلوكون، بجاه الملوك نلوك).
د.”عز الدين”: الدعم شوه الحياة كلها..
وحسب دكتور “عز الدين” فإن موارد الدعم هذه لابد أن تذهب لدعم المدارس والمستشفيات حتى يستفيد منه الجميع. وقال إن الدعم شوه أذواق الناس وتركوا أكل (الكسرة) والدخن وتغيرت أنماط الاستهلاك، لذلك قل الطلب على الذرة وأثرت قلة الطلب هذه على المزارعين. وأضاف: ( الدعم شوه الحياة كلها)، مؤكداً ضرورة عدم الاعتماد على الدولة. ونبه د. “عز الدين” إلى أنَّ (الدول الكبرى لا تدعم إلا الفقراء.. تقدم لهم كرت لشراء الاحتياجات) فالدعم، وتابع: (لابد أن يوجه الدعم للفقراء ولابد أن تذهب الموارد في الاتجاه الصحيح لكي نخدم مناطق الإنتاج وأن تصب الموارد في وعاء ويتم توجيهها حسب الأولويات). وقال إنَّ الدعم تستفيد منه كذلك دول الجوار عن طريق التهريب لبعض السلع المدعومة، مشيراً إلى أنَّ رفع الدعم سيؤدي إلى إيقاف الهجرة من دول الجوار إلى السودان والذين كانوا يستفيدون من الدعم الذي كان يفترض أن يذهب للفقراء.
د. “بابكر محمد توم”: لم يحدد زمن لرفع جديد للدعم
د. “بابكر محمد توم” الخبير الاقتصادي المعروف ذهب في نفس الاتجاه الذي ذهب إليه دكتور “عز الدين إبراهيم” بأنَّ رفع الدعم سياسة عامة لم يتم تحديد زمن لإعلانها. وأكد في حديثه لـ( المجهر) أنَّ الدولة مازالت تدعم المحروقات والقمح وبعض السلع الأخرى. وقال: (الآن ما في رفع دعم، ودي سياسة عامة) في إشارة منه إلى أنه لم يتم الإعلان عن مواعيد رفعه في الوقت الحالي. وأبان: (ليس الليلة ولا حتى بكرة) لأنه لا توجد نية لرفع الدعم حالياً، وإنما تركت للمستقبل، مؤكداً أنَّ سياسة رفع الدعم مجازة ولكن لم يحن وقت التطبيق.
إصلاحات ما بعد رفع الدعم لم تواكبها زيادة في الإنتاج والصادرات..
ووفقا لدكتور “بابكر محمد توم” فإنَّ وقت تطبيقها لا بد أن يكون مصحوباً بزيادة الإنتاج وتحريك الموارد ومن ثم تحويل الدعم للفقراء، وقال إنَّ الإصلاحات التي أعقبت رفع الدعم عن المحروقات العام الماضي لم تواكبها زيادة في الإنتاج والصادرات؛ لذلك لم تأت بالنتائج المرجوة، داعياً إلى ضرورة توفير المقومات الأساسية لزيادة الإنتاج، ولابد أيضاً من المتابعة في ما يختص بالتنمية حتى نصل إلى النتائج المنشودة والتي هدف الإصلاح إلى تحقيقها.
إلا أنَّ الخبير الاقتصادي “إبراهيم كبج” ذهب في اتجاه آخر حيث أشار إلى أنَّ الدولة إذا طبقت سياسة رفع الدعم فإنَّ المواطنين سيتحملون ذلك وتساءل: (لماذا يتحمل المواطنون سياسات الأخطاء الاقتصادية؟).
وحسب “كبج” فإنَّ الفقراء في السودان في ازدياد، وكذلك التضخم والأسعار في ارتفاع مستمر. وأضاف: (هل يُعقل بعد ذلك أن نرفع الدعم؟).
ودعا إلى ضرورة زيادة الإنتاج والنهوض بالمشاريع الزراعية والقطاع المطري التقليدي وتطويره حتى نرتقي بهذا القطاع ونغير نمط التعليم إلى تعليم تقنى وترتيب الأولويات، حيث أشار هنا إلى أنَّ الأسبقية كان من المفترض أن تكون في المشاريع الكبرى كتعلية الروصيرص للاستفادة منه فى القطاع الزراعي وزيادة الرقعة الزراعية. وقال: (إننا لم نوظف مواردنا التوظيف الكامل فموارد النفط لم نستفد منها الاستفادة الكبرى ولو وجهت للزراعة لكان مشروع الجزيرة وغيره من المشاريع الزراعية نهض وتحرك).
وأخيراً يبقى السؤال .. هل سيتم الإعلان عن رفع الدعم أم هي سياسة عامة لم يأت الوقت لتطبيقها الآن؟