الساعون للفتنة
فجرت الدماء أمس مرة أخرى بصراع قبلي في دارفور، ليس مهماً بين من أو ضد من، ففي كل الحوادث السابقة واللاحقة وما سيأتي غداً تداخلت الأسماء والمسميات، كل قبيلة تأخذ برقبة أختها إلى القتل والترويع والهجمات المتبادلة، صار الأمر تقليداً راتباً جعل دارفور مثل جمهوريات الموز، بلد تحسم فيه الخلافات بالبندقية، ليموت الجميع ويخيم الحزن وليالي الثأرات الطويلة على الجميع وصار وكأن الأمر لعنة ردت دارفور الكبرى إلى مجاهل التخلف وانهيار الخدمات، ففي مثل هذا الوضع لا يمكن الحديث عن تعليم وخدمات صحية، لا يمكن الحديث عن أمن يتوفر فكل هذا رهين بالانهيار لأنَّ أحدهم قتلت له شاه أو أنَّ بعضهم أفسد له زرع، وما أكثر الساعون إلى هيجاء الفتنة حينها لتكون المحصلة الأخيرة تصدر أخبار الموت واجهة الأحداث بينما باقي أرجاء الوطن ينعم أهله بالسلام ويتقدم أبناؤه في مراقي التعليم والتنمية ثم يحدثونك عن ظلم المركز لدارفور والحقيقة أنَّ الإقليم وأبناءه يظلمون أنفسهم فقط.
أخطر ما في الأمر في الآونة الأخيرة أنَّ المسألة تحولت لتكون عملية، صار له متحدثون رسميون وبالأمس تنشب معارك بين قبيلتين يظهر معها متحدثون وناطقون من الأهالي رفدوا الوكالات الأجنبية بالتفاصيل بقدر تابعت معه شخصياً التطورات عبر أخبار الوكالات الغربية والفضائيات، وهو وضع يشير إلى أنَّ الأمر في اتجاه لأن يكون أكبر من محض مشاجرات قبلية ويتفاقم هذا مع حالة الغياب غير المبرر لحكومات الولايات الغربية ذات الجيوش الجرارة من المستشارين والوزراء والمعتمدين والمعتمدين بالرئاسة والذين يفشلون دوماً في تطويق هذه الإشكالات وكأنهم منتدبون من كرواتيا وليسوا سياسيين أو تنفيذيين من أبناء ذات القبائل المتطاحنة.
أنَّ ما يغري باستمرار هذه المهازل غياب مرجعية القانون، فلو أنَّ من يبتدر مشاجرة أو يرتكب جناية صغرت أو عظمت سيق إلى السجن وطُبق فيه منطوق القضاء لأمكن الزج بكل الذين يظنون أنفسهم فوق الدولة في السجون ولكن الذي يحدث أنَّ أي معركة وقتال ينتهي بما يشبه الحوافز لأطراف الصراع، حينما تتكفل الدولة بالديات وتعويض المتضررين بالمال عقب مؤتمر صلح يحتشد فيه القوم بأفخر الثياب وتحضره الدولة بأرفع تمثيل فإن انفضَّ الحضور تفجر القتل في موقع آخر.
لقد حق لأهل دارفور نخباً وعامة الخجل مما يجري، فهو ضد الدين والإسلام وروح تعاليمه وهو مظهر من مظاهر الفوضى العالية وهو فعل على منكراته يتحمل مسؤوليته أهل الولاية، فالقاتل والمقتول دارفوري وفي قضايا تافهة وصغائر عظمها الجهل وروح العصبية التي نهى عنها الرسول الكريم المسلمين لكن أهل دارفور لم ينتهوا.
إنَّ ما يحدث في قتال قبلي بدارفور في كامل الإقليم عار على المتورطين فيه وكتاب أسود يصر الدارفوريين على تسويقه في طبعة جديدة ومنقحة، إنَّ أقبح فصول الأزمة تعرض الآن، وكل الوجوه تبرز بلا مساحيق، فالسلام على من اتبع الهدى.