رأي

حوار..

} قال: إنك تُلح وتكرر في موضوع الاستفادة من عائدات السياحة، لكن لا يبدو لحديثك هذا أي صدى عند المسؤولين، فهم يعرفون كل هذا الحديث ولكنهم يتجاهلونه.
} قلت: ولماذا يتجاهلونه؟
} قال: لأنهم لا يرون هذه الصورة الظاهرية البراقة بل يرون أشياء أخرى من واجبهم كمسؤولين عن الوطن منع أضرارها عن المواطنين، فهم يعرفون أن السائح إذا جاء إلى بلد لن يكتفي بالزيارات البريئة وإنفاق أمواله ثم العودة، بل هو يريد أشياء أخرى تجلي له المرح وتجعله يتمتع بإجازته. فالسائح الأوروبي يبحث عن الخمور وصالات الرقص وما يتبعها من حياة خليعة ولا ينفق أمواله إلا هكذا، هل تريدنا أن نأكل مالاً حراماً.
} قلت: أليس هناك نموذج لسياحة نظيفة. مثلاً يتوجه عدة ملايين إلى الأراضي المقدسة كل عام ولا يفعلون أي شيء حرمه الله، ومع ذلك ينفقون ملايين الدولارات وتستفيد المملكة من ذلك. وفي يوم من الأيام لم يكن للمملكة أي دخل غير هذا، ولذلك يبقى اقتصادها قوياً.
} قال: هل تريد أن تقول لي إننا يمكن أن ننشئ صناعة سياحة نظيفة، إنك مهما حاولت لن تستطيع ذلك؟
} قلت: ولماذا تظن أن هذا الأمر مستحيل جداً. إن الجريمة معروفة أركانها وإن السياحة النظيفة معروفة شروطها، فالمهم كيف تقدم نفسك للآخرين، مثلاً إذا بدأنا حملة إعلانية في كل الصحف العالمية تقول أي أنواع السياح أنت: صائد غزلان.. تحب رياضة الزوارق السريعة.. أن تلف الجبال.. أم تبحث عن جو معتدل أم التجول في الغابات العذراء، أم الاستمتاع بشتاء دافئ؟ كل هذا الذي تبحث عنه موجود في السودان. لو قامت دعايتنا على ذلك فلن يأتينا إلا السائح النظيف ومع الإجراءات الأمنية سيبقى نظيفاً حتى يعود.
} قال: ولكن كيف نضمن أن الذين يتعاملون مع السياح سيتركوهم نظيفين.
} قلت: الذين أعلمهم أن السودانيين بطبعهم لا يحبون أي مال جاء عن طريق قذر، فهم بذلك سيحرصون على بقاء سياحتهم نظيفة. ثانياً يمكن تسجيل كل المشكوك فيهم ومنعهم من دخول بعض المناطق بل وحبسهم. وهذه مخاوف لا أساس لها من الصحة وكلها تقوم على أساس أن السياحة وحش سيقضي على أخلاقنا، مع أن السياحة ليست فقط رحلات ترفيهية فهناك السياحة العلمية التاريخية التي يأتي فيها السائح ليتجول بين المعابد والتماثيل الضخمة ويشعر بالسعادة لمجرد مشاهدته لها.
} قال: إنك منذ أكثر من عامين تصرخ مطالباً بذلك فهلا استجاب لك أحد؟
} قلت: وسأستمر في الصراخ إلى أن يستجيب أحدهم وسأظل في المطالبة بتعمير وادي حلفا، لأنها بوابة السياحة وهذا التجاهل يبدو متعمداً لكن لابد أن يأتي يوم يكون فيه على رأس السياحة شخص متفتح الذهن يطرد كل هذه المخاوف، ويركز على السياحة النظيفة ويعمر المدن المهجورة ويستفيد من مليارات الدولارات التي تأتي عبرها، وبالتالي يعالج مشكلة البطالة نهائياً لأن السياحة يمكن أن تستوعب مليون وظيفة. أطردوا المخاوف وأدخلوا لهذا القطاع بقوة، فأي يوم يمر تضيع فيه منا ملايين الدولارات. هيا إلى العمل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية